الوقوع في الحب
جاءت إلى مكتبي من غير موعد مسبق وسألت سكرتيرتي ما إذا كانت تستطيع مقابلتي لمدة خمس دقائق ، لقد كنت أعرف " جانيس " منذ ثمانية عشر عاماً ، وكانت تبلغ من العمر ستة وثلاثين عاماً ، ولم يسبق لها الزواج ، لقد ظلت طوال سنوات عمرها مخطوبة للعديد من الرجال ؛ وقد خطبت لأحدهم لمدة ست سنوات ، وآخر لمدة ثلاث سنوات ، وخطبت لكثير من الرجال غيرهما لمدد أقصر ، وكانت بين الفينة والأخرى تأخذ مني موعداً لمناقشة مشكلة ما تقابلها في إحدى علاقاتها ، وكانت بطبيعتها شخصية منضبطة ويقظة الضمير وعميقة التفكير وحريصة ، ولم يكن أبدأ من طبيعتها أن تأتى إلى مكتبى فجأة ؛ لذلك اعتقدت ، أنه لا بد وأن تكون هناك أزمة مروعة حدثت لـ " جانيس " جعلتها تأتى إلى مكتبي دون موعد مسبق.
طلبت من سكرتيرتي أن تسمح لها بالدخول ، وكنت أتوقع أن تنفجر في البكاء وتخبرني بقصة مأساوية جديدة بمجرد أن يغلق الباب ، ولكن ما حدث كان العكس تماماً ؛ فقد دخلت إلى مكتبي بوقار شديد ، وكان يبدو على وجهها الابتهاج والسرور . فسألتها : " كيف حالك اليوم ، ياجانيس ؟ " . فأجابتني قائلة : " أنا بخير ، بل لم أكن أبدأ أحسن حالاً منى اليوم ، إننى سأتزوج " . فقلت لها ، وقد بدت على الدهشة : " حقاً ستتزوجين ؟ من ومتى ؟ " . فقالت بصوت يملؤه الثقة : " سأتزوج " ديفيد جاليسبي " ، في شهر سبتمبر " . فقلت لها : " هذا مثير جداً ، منذ متى وأنتما مخطوبان ؟ " . فأجابتني قائلة : " منذ ثلاثة أسابيع ، أعرف أن هذا يعد جنوناً يا دكتور تشابمان ، فبعد كل هؤلاء الرجال الذين خطبت لهم ، أنا الآن على وشك أن أتزوج ، أنا نفسي لا أستطيع تصديق هذا ، ولكني أعرف أن " ديفيد " هو الشخص المناسب لي ، لقد عرفنا ذلك منذ اللقاء الأول ، وبالطبع لم نتحدث عن ذلك حينها ، ولكنه طلب مني الزواج بعد أسبوع ، لقد كنت أعرف أنه سيطلب مني الزواج ، وكنت أعرف أيضاً أنني سأوافق ؛ فأنا لم أشعر بمثل هذا الإحساس من قبل ، أنت تعرف العلاقات التي أقمتها خلال سنوات عمري ، وكذلك المشاكل التي واجهتني ، في كل علاقة منها كان هناك شيء ما خطأ ، ولم ترق لي أبدأ فكرة الزواج بأي منهم ، ولكني ، متأكدة أن ديفيد هو الشخص المناسب".
في هذا الوقت ، كانت " جانيس " تتأرجح على مقعدها إلى الأمام وإلى الخلف ، وتقول وهي تضحك بصوت عال : " أنا أعلم أن هذا جنون ، ولكني سعيدة جدا ، لم أكن سعيدة لهذه الدرجة من قبل " . ماذا حدث لـ " جانيس " ؟ لقد وقعت في الحب ، فهي ترى أن " ديفيد " أكثر رجل قابلته روعة ، وأنه سيكون زوجاً مثالياً ، إنها تفكر فيه طوال الوقت ، وبالنسبة لكون " ديفيد " قد تزوج مرتين ، ولديه ثلاثة أطفال ، وأنه انتقل بين ثلاث وظائف في العام الماضى ، فإن ذلك لا أهمية له عند " جانيس " ، إنها تشعر بالسعادة ، ولديها قناعة بأنها ستكون سعيدة للأبد مع " ديفيد " ، لقد وقعت في الحب.
معظمنا يتزوج بعد أن يمر بتجربة " الوقوع في الحب " ؛ فنقابل شخصاً ما تكون صفاته الجسدية وسماته الشخصية كافية لأن تسبب لنا الصدمة الكهربية التي تثير " إنذار الحب " في داخلنا ، فتبدأ الأجراس في الحركة ، ونبدأ في عملية التعرف على هذا الشخص ، ربما تكون الخطوة الأولى أن نشاركه سندوتش هامبورجر أو شريحة من اللحم ، اعتمادا على الميزانية ، ولكن لا يكون هدفنا الأساسي هو الطعام ، بل إننا نكون في رحلة لاكتشاف الحب ، " هل يمكن أن يكون هذا الإحساس الذي يشعرنا من الداخل بالدفء والتنميل ، هو الحب الحقيقي؟".
في بعض الأحيان ، نفقد هذا الإحساس بعد اللقاء الأول ؛ حيث نجد من نقابلها في حالة مزرية ، ويبدأ الشعور بالتنميل في الاختفاء من أطراف أصابعنا ، عندئذ نشعر بأننا لا نريد أن نشاركها الهامبورجر مرة أخرى . وعلى العكس من ذلك ، نجد أنه في أوقات أخرى يزداد الشعور بالتنميل بعد تناول الهامبورجر ، فنتفق على أن تكون هناك مرات أخرى " نكون فيها معا " ، وبعد فترة تزداد قوة هذا الإحساس نجد أنفسنا عندها نقول : " أعتقد أني واقع في الحب " ، وفي النهاية ، نوقن بأن هذا الإحساس هو " الحب الحقيقي " ، ونخبر الطرف الآخر بهذا ، آملين أن يكون هذا الإحساس متبادلاً ، أما إذا لم يكن متبادلاً ، فإما أن تقل مشاعرنا تجاهه قليلاً ، أو نضاعف جهودنا حتى نؤثر عليه ، ونحظى في النهاية بحب محبوبنا ، أما إذا كان الإحساس متبادلاً ، عندها نبدأ في التحدث عن الزواج ؛ لأننا جميعاً متفقون على أن " الوقوع في الحب " هو الأساس المطلوب لعلاقة زوجية جيدة .
وفي نهاية تجربة " الوقوع في الحب " نصل إلى الشعور بالسعادة البالغة ، ونكون في مرحلة هوس عاطفي ببعضنا البعض ، حيث يذهب أحدنا إلى مخدعه وهو لا يزال يفكر في الآخر ، وعندما نستيقظ ، يكون هذا الشخص هو أول ما نفكر فيه ، ويكون قضاؤنا للوقت معا أروع شيء في الوجود ، وعندما تتشابك أيدينا نشعر وكأن دماء كل منا تتدفق في الآخر ، ويمكننا أن نظل نقبل بعضنا للأبد إذا لم نكن مضطرين للذهاب إلى المدرسة أو العمل ، ويحفز العناق الأحلام بالزواج والشعور بالسعادة.
إن الشخص " الواقع في الحب " يكون لديه إحساس خادع بأن محبوبه مثالي ؛ فترى والدته عيوب محبوبته بينما لا يراها هو ، تقول له والدته : " ياعزيزي ، هل تعى أنها كانت تخضع لعلاج نفسي لمدة خمس سنوات ؟ " ، فيجيبها قائلاً : " آه ، يا والدتي ، تمهلي ، لقد انتهى ذلك منذ ثلاثة أشهر " ، ويمكن أن يرى أصدقاؤه هذه العيوب ، ولكن المرجح أنهم لن يخبروه بها إلا إذا طلب منهم ذلك ، والأرجح أنه لن يفعل ؛ لأنها في رأيه مثالية ، فلا يهمه ما يراه الآخرون . قبل الزواج نحلم أن تكون حياتنا الزوجية في منتهى السعادة ، ونقول : " كل منا سيجعل الآخر سعيد جدا ، ربما يتشاجر غيرنا من الأزواج والزوجات ، ولكننا لن نفعل ذلك ، فنحن نحب بعضنا " ، و نعلم أنه لابد أن تكون هناك خلافات في النهاية ، ولكننا متأكدون أننا سنناقش هذه الخلافات بكل صراحة ، وسيكون أحدنا مستعدا لتقديم تنازلات دائماً ، وبذلك سنتوصل إلى اتفاق.
ويكون من الصعب عليك عند الوقوع في الحب أن تصدق أيّ شيء بخلاف ذلك . لقد قادنا ذلك إلى أن نعتقد أننا عندما نقع في الحب ، فإنه سيستمر للأبد ، وأننا سنظل نشعر بهذه الأحاسيس الرائعة التي شعرنا بها في تلك اللحظة ، وأنه لن يحول شيء بيننا إطلاقاً ، وأنه لن يتغلب شيء على حبنا ؛ إذ إننا نكون مفتونين ومأسورين بجمال وجاذبية شخصية الطرف الآخر ، ويكون حبنا هو أروع شيء عشناه في حياتنا ، نعلم أن بعض الأزواج والزوجات فقدوا ذلك الإحساس ، ولكن ذلك لن يحدث لنا ؛ لأننا نعلل ذلك " بأنهم ربما لم يكن لديهم الحب الحقيقي".
وللأسف فإن أبدية تجربة " الوقوع في الحب " هي شيء خيالي ، وليس حقيقيا ؛ فقد أجرت الدكتورة " دوروثي تينوف " ، وهي عالمة نفسية ، العديد من الدراسات على ظاهرة الوقوع في الحب ، وبعد أن قامت بدراسة العشرات من الأزواج والزوجات ، خلصت إلى أن متوسط عمر الهوس الرومانسي عامان ، أما إذا كان حبا من النوع المتجدد فربما يستمر لمدة أطول قليلاً ، وفي النهاية نهبط من هذا الأفق العالي لتحط بنا أرجلنا على الأرض مرة أخرى ، عندها تنفتح أعيننا ونبدأ في رؤية العيوب الصغيرة جداً في الطرف الآخر ، فنرى أن بعضاً من صفاته ، أوصفاتها الشخصية تثير سخطنا بالفعل ، و ،وأن سلوكياته تسبب لنا الضيق ، وأنه لديه المقدرة على الجرح والإغضاب ، بل وربما توجيه الكلمات القاسية والآراء النقدية ؛ مثل هذه الصفات التي كنا نتغاضى عنها عندما وقعنا في الحب ، تصبح الآن كالجبال ، ونتذكر كلمات الأم ؛ ويسأل أحدنا نفسه ، كيف كنت أحمق لهذه الدرجة ؟ مرحباً بك في العالم الحقيقي للزواج ؛ حيث يكون الشعر دائماً محتاجاً إلى التنظيف ، وتغطى المرأة بقعاً بيضاء صغيرة ، ويكون الجدل منصباً حول كيفية وضع ورق التنظيف الخاص بدورة المياه ، وهل الأفضل تلوين الجفن الأعلى أم الأسفل ، إنه عالم لا تستعمل فيه الأحذية لدخول دورات المياه ، ولا تكون فيه الملابس الداخلية مهندمة ، ولا يوضع فيه المعطف على المشجب ، وتختفى فيه الجوارب أثناء تنظيفها ؛ في عالم كهذا ، فإن نظرة يمكنها أن تجرح ، وكلمة يمكنها أن تحطم ، ويمكن أن يصبح الأحباء الحميمون أعداء ، ويصير الزواج معركة لا تنتهى.
ماذا حدث لتجربة الوقوع في الحب ؟ يا للأسف ، لم تكن إلا وهما خدعنا به ، وسجلنا أسماءنا في خانة التوقيع ، للأحسن أو للأسوأ ، ولا عجب أن صار العديد منا يلعنون الزواج وشريك الحياة الذي أحبوه يوماً ما ، وعلى الرغم من كل هذا فإننا إذا خدعنا فمن حقنا نغضب ، ونتساءل هل كان لدينا حقا الحب " الحقيقي"؟
أنا أعتقد ذلك ، ولكن السبب هو أن معلوماتنا كانت خاطئة . معلومات خاطئة حول فكرة أن هوس " الوقوع في الحب " يستمر للأبد.
يجب علينا أن نكون معرفة أعمق ، ويجب أن نعرفك ملاحظة عفوية أنه لو كان هذا الشعور يستمر ، لوقعنا جميعاً في مشكلة خطيرة ، وهي أن آثار موجات هذه الصدمة ستؤثر على المجتمع ككل : الأعمال ، والصناعة ، ودور العبادة ، والتعليم ؛ لماذا ؟ السبب في ذلك أن هؤلاء الأشخاص الذين " يقعون في الحب " لا يهتمون بأي شيء آخر ؛ ولذلك نسميه هوساً ، فإن الطالب الذي يقع في الحب ، ترى أن درجاته تنخفض ؛ وذلك لأنه من الصعب على الشخص أن يذاكر بينما هو واقع في الحب ، إذا كان لديك في اليوم التالي اختبار في مادة التاريخ ، ولكن من يهتم بمثل هذه المادة ؟ إنّ الشخص الذي يقع في الحب يجد أن أي شيء بخلاف ذلك لا قيمة له ، وقد قال لي أحدهم ذات مرة : " دكتور " تشابمان " ، إن عملي ينهار " . فسألته : " ماذا تقصد بهذا ؟ " . فقال لي : " لقد قابلت تلك الفتاة ، ووقعت في حبها ، ولا أستطيع الآن إنجاز أي شيء ، لا أستطيع أن أفكر في عملي ، فأنا أقضى يومى بالكامل وأنا أحلم بها".
إن الشعور بالسعادة الغامرة عند الوقوع في الحب يعطينا إحساساً خادعاً بأننا بدأنا علاقة حميمة ، فنشعر بأن كلا منا ينتمى للآخر ، ونصدق أننا نستطيع أن نتغلب على أية مشكلة ، ونشعر بالغيرة على بعضنا البعض ؛ إن هذا الإحساس يعطينا شعوراً خاطئاً بأن رغباتنا الأنانية قد زالت ، وأننا يمكن أن نصبح " كالأم تريزا " ، أي أن نضحي بأي شيء من أجل من نحب ؛ والسبب في أننا يمكن أن نفعل هذا عن طيب خاطر ـ أننا نكون متأكدين من أن الطرف الآخر يبادلنا نفس المشاعر ، فيعتقد الرجل بأنها قد كرست نفسها لتلبية احتياجاته ، وتعتقد هي أنه يحبها أكثر مما تحبه هي ، وأنه لن يفعل أي شيء يجرح مشاعرها في يوم من الأيام.
ودائما ما يكون هذا الشعور خياليا ، ليس لأننا لسنا صادقين فيما نشعر به ونفكر فيه ؛ بل لأننا لسنا واقعيين ؛ لذلك نفشل في إدراك حقيقة الطبيعة البشرية ، فمن طبيعة البشر أنهم أنانيون ، إن العالم يتقدم من حولنا ، ولا يؤثر أحدنا غيره على نفسه بشكل تام ، ولكن الشعور الغامر بالسعادة عند " الوقوع في الحب " الذي يعطينا هذا الإحساس المتوهم . وبمجرد أن تأخذ تجربة الوقوع في الحب دورتها الطبيعية ( تذكر أن متوسط عمر تجربة الوقوع في الحب عامان فقط ) ، يعود شريكا الحياة إلى عالم الواقع ، ويبدأ كل منهما في إثبات قوته ، وسيبدأ في التعبير عن رغباته ، ولكنها ستكون مختلفة عن رغبات شريك حياته ؛ فهو يرغب في ممارسة العلاقة الحميمة ، وهي متعبة جداً ، هو يرغب في شراء سيارة جديدة ، وهي تقول : " هذا سخيف " ، هي ترغب في زيارة والديها ، وهو يقول : " أنا لا أحب قضاء الكثير من الوقت مع عائلتك " ، هو يرغب في الاشتراك في مسابقة البيسبول ، وهي تقول له : " أنت تحب لعبة البيسبول أكثر مما تحبني " ، وشيئا فشيئا ، ينتهي هذا الشعور المتوهم ويذهب أدراج الرياح ، وتبدأ رغبات المرء وعواطفه وأفكاره الخاصة وسلوكياته الشخصية في الظهور ، لقد أصبحا شخصين بعد أن كانا شخصاً واحداً ، لم يعد عقلاهما مرتبطين ببعضهما ، ولم تختلط مشاعرهما في بحر الحب إلا لفترة قصيرة ، وبدأت الآن أمواج الحقيقة تفرق بينهما ، لم يعودا غارقين في الحب ، وعند هذه النقطة ، إما أن ينفصلا ويحدث الطلاق بينهما ويبدأ كل منهما في رحلة البحث عن تجربة جديدة للوقوع في الحب ، أو أن يعملا بجد على أن يتعلم كل منهما كيف يحب الآخر دون أن يشعرا بالسعادة الغامرة التي كانت تصاحب تجربة الوقوع في الحب .
وقد خلص بعض الباحثين ومن بينهم الطبيب النفسي " سكوت بيك " ، والعالمة النفسية " دوروثي تينوف " إلى أنه لا يمكن إطلاق كلمة " حب " على تجربة الوقوع في الحب بأي حال من الأحوال ، وقد نحتت العالمة " تينوف " لتجربة الوقوع في الحب كلمة limerance ، والتي تعنى الهزل ؛ لتمييزها عما يعتبر حباً حقيقياً ، وخلص الدكتور " بيك " إلى أن تجربة الوقوع في الحب لا تعتبر حباً حقيقياً لثلاثة أسباب ؛ أولها : أنّ الوقوع في الحب ليس عملا إرادياً ، ولا يكون فيه اختيار للوعي ، ولا يهم إلى أي مدى نحن نريد أن نقع في الحب ؛ لأنه لا يحدث تبعا لذلك ، وعلى النقيض ، فإننا ربما لا نرغب في خوض هذه التجربة بينما نحن غارقون فيها ، وغالبا ما نقع في الحب في الوقت غير المناسب ، ومع أشخاص لا نرغب فيهم . وثانيها : الوقوع في الحب لا يعتبر حباً حقيقياً ؛ لأن الشخص لا يبذل أي جهد في ذلك ، فكل ما هو مطلوب في حالة الوقوع في الحب تنظيم بسيط وجهد واع ؛ فإن المكالمات الطويلة التي نتبادلها والنقود التي ننفقها أثناء سفرنا لرؤية بعضنا ، والهدايا التي نتبادلها والمشاريع التي نقوم بها لا تمثل أي شيء بالنسبة لنا ، فكما أنّ الطبيعة الفطرية للطائر تملى عليه أن يبنى عشاً ، فإنها كذلك تدفع من يقعون في الحب إلى أن يفعلوا أشياء غريبة ، وغير مألوفة من أجل من يحبون . ثالثها : أن الشخص الذي " يقع في الحب " لا يهتم في الحقيقة بتشجيع النمو الشخصي للطرف الآخر ، " إذا كان لدينا أي هدف في عقلنا عند الوقوع في الحب ، فلا بد أن يكون إنهاء الوحدة التي نعيشها ، وربما يكون الزواج لتأكيد انتهائها.
إن تجربة الوقوع في الحب لا تركز على نمونا أو نمو وتطور الطرف الآخر ، بل إنها تعطينا الإحساس بأننا قد وصلنا وأننا لا نحتاج إلى أن تنمو أكثر من ذلك ، فنشعر بأننا قد حصلنا على أكبر قدر من الحب يمكن أن نحصل عليه في الحياة ، وبالتأكيد فإننا نرى أن الطرف الآخر ليس بحاجة إلى أن ينمو لأنه كامل بالفعل ، ونرغب فقط أن يظل مثالياً . إذا لم تكـن تجربـة الوقوع في الحب حبـاً حقيقياً ، فماذا تكـون ؟ يقول الدكتور " بيـك " : " إنـه تركيبة فطرية تتحدد عن طريق الجينات للسلوك الإلفى ، بعبارة أخرى ، فإن الانهيار المؤقت للأنانية الفردية والـذي يؤدي إلى الوقوع في الحب هو رد فعـل متطابق لكل البشر ؛ لإعادة هيكلة الدوافع الجنسيـة الداخلية والمحفزات الجنسية الخارجية ، والتي تؤدي إلى زيادة احتمالية التزاوج والارتباط الجنسي ، وتعزز قدرة الأنواع على البقاء".
وسواء اتفقنا مع هذه النتيجة أم لم نتفق ، فإن الأشخاص الذين مروا بتجربة الوقوع في الحب وانتهوا منها من المرجح أنهم سيرون أن هذه التجربة لم تجعلهم يدورون في مدار عاطفي كأي شيء مروا به من قبل ، وكأن هذه التجربة تجعلنا نفقد قدرتنا العقلية ، ونجد أنفسنا أحيانا نفعل ونقول أشياء ما كنا لنفعلها في أوقات أكثر جدية من تلك الأوقات ، وفي الحقيقة ، عندما نفيق من هذا الهوس العاطفي فإننا غالبا ما نتعجب ونتساءل كيف فعلنا أشياء كهذه ، وعندما تخمد هذه الموجات من المشاعر ونعود إلى الحياة الحقيقية ؛ حيث تبرز الاختلافات التي توجد بيننا ، يتساءل معظمنا : " لماذا تزوجنا ؟ فليس بيننا أي قاسم مشترك " ، إلا أنه في أوج مرحلة الوقوع في الحب ، نعتقد أننا نتفق في كل شيء ، أو على الأقل في الأشياء المهمة .
فهل هذا يعني أننا عندما نخدع بوهم الوقوع في الحب ونتزوج ، فإنه يكون أمامنا أحد خيارين :
( 1 ) أن يكون قدرنا أن نحيا حياة بائسة مع شريكنا في الحياة ،
أو
( ٢ ) أن نهرب من هذا الزواج ونحاول مرة أخرى ؟
وقد اختار جيلنا الخيار الثاني ، في حين أن الجيل السابق كان عادة ما يختار الخيار الأول ، وقبل أن نستخلص بطريقة تلقائية أننا اخترنا الخيار الأفضل ، ربما يتوجب علينا أن ندرس بعض البيانات ، ففي الوقت الحالي ، هناك 40 % من حالات الزواج الأولى تنتهى بالطلاق ، وتنتهى 60 % من حالات الزواج الثانية ، و 75 ٪ من حالات الزواج الثالثة نفس النهاية ؛ وتظهر هذه البيانات أن احتمالية الحصول على السعادة في المرة الثانية أو الثالثة ليست حقيقية . ويبدو من هذا البحث أن هناك بديلاً ثالثاً جيداً وهو أننا لابد وأن نعطى تجربة الوقوع في الحب قدرها الحقيقى كمرحلة اهتياج عاطفي مؤقت بعدها نبدأ البحث عن الحب الحقيقي مع شريكنا في الحياة ، وهذا الحب وجداني بطبيعته ولكنه ليس هوسيا ، إنه الحب الذي يربط بين العقل والعاطفة ، إنه يرتبط بالإرادة ويتطلب النظام ويعترف بالحاجة إلى التطور الشخصي ، إن أكثر ما نحتاج إليه من الناحية العاطفية ليس أن نقع في الحب ، ولكن أن نشعر بالحب من غيرنا ، وأن نصادف الحب الذي يكون من خلال العقل والاختيار وليس الغريزة ؛ فالمرء يحتاج إلى أن يشعر بالحب من شخص اختار أن يحبه ، ورأى فيه شيئاً يستحق حبه . وهذا النوع من الحب يحتاج إلى جهد ونظام ، إنه الاختيار الذي يجعلك تبذل كل طاقتك من أجل الطرف الآخر ، مقتنعاً أنه إذا أثمر ما فعلته في تحسين حياة من تحب ، فإنك ستشعر بالرضا لأنك أحببت شخصاً ما حباً حقيقياً ، وذلك لا يتطلب الشعور بالسعادة الغامرة التي تحس عند الوقوع في الحب ، وفي حقيقة الأمر ، فإنه لا يمكن للحب أن يبدأ إلا بعد المرور بتجربة الوقوع في الحب ، وتأخذ هذه التجربة دورتها.
إننا لا نستحق أي مدح على كل الأشياء التي نفعلها ونحن تحت تأثير هذا " الهوس بالحب " ؛ لأننا نفعل ذلك تحت تأثير القوة الغريزية التي تتجاوز قواعدنا السلوكية العادية ، ولكن بمجرد أن نعود إلى العالم الحقيقي للاختيار البشري ، ونختار أن نكون عطوفين ومتسامحين ، فإن هذا هو الحب الحقيقي.
إن الحاجة الوجدانية إلى الحب لابد وأن تلبي إذا كنا نرغب في أن نتمتع بحياة عاطفية سليمة ، ويتوق الأشخاص البالغون المتزوجون إلى الشعور بالحب من قبل الطرف الآخر ، فنحن نشعر بالأمان عندما نكون متأكدين من أن شريكنا في الحياة يقبلنا ويريدنا وأنه مخلص لنا ، لقد كنا نشعر بكل هذه المشاعر عندما كنا في مرحلة الوقوع في الحب ، وكان الإحساس رائعاً عندما استمر لفترة من الزمن ، وكان خطؤنا في أننا شعرنا بأنه سيستمر للأبد . ولكن لم يكن لهذا الشعور أن يستمر ؛ فطبقاً لقواعد الزواج فهو لا يعدو كونه مقدمة ، أما ما يقوم عليه الزواج فهو الحب العقلي الاختياري ، وهذا هو مجرد الحب الذي يدعونا إليه الحكماء ، وهذا ينطبق على كل المجتمعات ، وهذه تعد أخبارا سارة للمتزوجين الذين فقدوا الأحاسيس التي كانت في مرحلة الوقوع في الحب ؛ لأنه إذا كان الحب اختياراً ، إذن فإنه في وسعهم أن يتبادلوا الحب مرة ثانية بعد أن انتهت مرحلة الهوس التي صاحبت " الوقوع في الحب " ، وعادوا إلى الحياة الحقيقية مرة أخرى ، هذا النوع من الحب يبدأ بعد سلوك طريقة معينة في التفكير ، فالحب هو النهج الذي يقول : " أنا ، متزوج من هذا الشخص ، وقد اخترت أن أهتم لأمره " ، عندئذ سيجد الشخص الذي اختار أن يحب الطرق المناسبة للتعبير عن القرار . وربما يقول البعض : " ولكن هذا يبدو نظاماً عقيماً ، أيكون الحب نهجاً له سلوكيات معينة ؟ فكيف يحس المرء بالمشاعر السامية ، والأحاسيس العميقة ؟ وماذا عن روح المشاركة ، ووميض العيون ، وحرارة القبل ، وإثارة العلاقة الحميمة ؟ وماذا عن الأمان العاطفي الذي يشعر به المرء عندما يعلم أنه أهم أولويات من يحب ؟ وتلك هي الموضوعات التي يناقشها هذا الكتاب : كيف يمكن أن نلبي حاجة الطرف الآخر العاطفية العميقة بأن نجعله يشعر بأنه محبوب؟
إذا تعلمنا ذلك واخترنا أن نفعله ، سيشعرنا الحب الذي نعيشه بإثارة أكثر من تلك التي شعرنا بها في وقت آخر.
لقد ناقشت لسنوات عديدة لغات الحب الخمس في ندواتي حول العلاقات الزوجية ، وكذلك في جلسات استشارية خاصة ، وقد برهن الآلاف من الأزواج والزوجات على صحة ما توشك أن تقرأه أنت الآن ، وأنا محتفظ كذلك بالعديد من الرسائل التي وصلتني من أناس لا أعرفهم يقولون لي فيها : " لقد أعارني أحد أصدقائي شريطاً عن لغات الحب الخمس الخاصة بك ، وقد أحدثت تغييراً كبيراً في حياتنا الزوجية ، فقد حاولنا بشدة لسنوات طويلة أن يحب كل منا الآخر ، ولكن محاولاتنا باءت بالفشل ؛ والآن وحيث إننا نتحدث لغات الحب التي تتفق معنا ، فإن الطبيعة العاطفية لزواجنا قد تحسنت كثيراً".
عندما يكون خزان الحب الخاص بشريكك في الحياة ممتلئاً ويكون متأكداً من حبك ، سيكون العالم بالنسبة لكما أكثر إشراقاً ، وسيتمكن هو من الوصول إلى أفضل فرصة له في الحياة ، ولكن إذا كان خزان الحب فارغاً ويشعر شريكك بأنه مستغل وليس محبوباً ، سيبدو العالم قاتماً ولن يصل أبداً إلى أى فرصة جيدة في هذه الحياة ، وفي الفصول الخمسة التالية سأشرح اللغات الخمس للحب ، وفي الفصل التاسع سأشرح لك كيف أن اكتشاف لغة الحب الأساسية لشريكك في الحياة يمكن أن يجعل كل ما تفعله للتعبير عن حبك فعالاً لأقصى درجة.
من كتاب لغات الحب الخمسة