anyquizi logo

احرص على أن يكون خرّان الحب ممتلئاً

احرص على أن يكون خرّان الحب ممتلئاً

احرص على أن يكون خرّان الحب ممتلئاً


دائماً كلمة الحب هي أهم كلمات اللغة ، وهي أيضاً الكلمة الأكثر إثارة للحيرة ، وقد اتفق كل من المفكرين الدينيين والمفكرين العلمانيين على أن الحب له دور مهم في الحياة ، وقد قيل إن : " الحب هو أسمى معاني الجمال " ، وقيل أيضاً : " الحب يجعل العالم يتطور " ، وقد تناولت الآلاف من الكتب والأغاني والمجلات وكذلك الأفلام هذه الكلمة ، ووضعت العديد من الأنظمة الفلسفية الحب في مكانة متميزة ، وأراد الرسل والأنبياء أن يكون الحب هو السمة المميزة لأتباعهم . وقد توصل علماء النفس إلى أن حاجة الإنسان إلى الشعور بأنه محبوب تعد ضرورة عاطفية بشرية أساسية ؛ فلأجل الحب ، نتسلق الجبال ، ونعبر الأنهار ، ونجتاز الصحاري ، ونتحمل الكثير من الصعاب ؛ ولكن بدون الحب ، تصبح الجبال صعبة التسلق ، والبحار مستحيلة العبور ، والصحاري لا يمكن احتمالها ، وتصبح الصعاب هي مشكلتنا في الحياة ، وقد أعلى الأولون من شأن الحب عندما أوضحوا أن أي شيء يحققه البشر ولا يكون الحب هو الدافع الأساسي له فهو لا يساوي شيئاً في الحقيقة ، وانتهوا إلى أنه في آخر مشهد من مشاهد الدراما الإنسانية ستبقى ثلاث شخصيات فقط وهي : " الإيمان ، والأمل ، والحب ، ولكن أعظم شيء فيها هو الحب".

وإذا اتفقنا على أن كلمة الحب انتشرت في المجتمع البشرى ، قديماً وحديثاً ، فلابد وأن نتفق أيضاً على أنها من أكثر الكلمات إثارة للحيرة ، فنحن نستخدمها بألف طريقة ، فنقول : " أنا أحب شطائر النقانق " ، ونقول أيضا : " أنا أحب أمي " ،

ونتحدث عن بعض أنواع الرياضة بلفظة الحب مثل : أحب السباحة ، أو التزلج ، أو الصيد ؛ وكذلك الأشياء مثل الطعام ، والسيارة ، والمنزل ؛ وأيضا الحيوانات مثل : الكلاب ، والقطط ، وحتى القواقع ؛ ونستخدم كلمة الحب مع الطبيعة مثل : الأشجار ، والحشائش ، والأزهار ، والجو ؛ كما نستخدمها مع الأشخاص مثل : الأم ، الأب ، والابن ، والابنة ، والزوج ، والزوجة ، والأصدقاء ؛ بل إننا نقع في الحب بالحب ذاته.

إذا لم يكن ذلك كله محيراً بالدرجة الكافية ، فإننا نستخدم هذه الكلمة ؛ لتعليل السلوك ، فمثلا نقول : " لقد فعلت ذلك لأننى أحبه " ، وهذا تعليل يعطى لكل الأفعال التي نفعلها ؛ حيث يتورط المرء في علاقة محرمة ويسميها حبا ، وعلى النقيض يسميها رجل الدين خطيئة ، وتجمع زوجة أحد مدمني الشراب قطع الزجاج المكسورة بعد أن ينهى شرابه ، وتسمى ذلك حبا ، بينما يسميه علماء النفس عاطفة مبالغا فيها ، ويتدخل الأب والأم في كل رغبات طفلهما ، ويسمون هذا حباً ، ويسميها طبيب العائلة تربية غير مسئولة ؛ إذن ما السلوك الذي يمكن أن يسمي حباً ؟ وليس الغرض من هذا الكتاب هو إزالة الغموض الذي يحيط بكلمة الحب ، ولكن غرضه أن يركز على نوع الحب المطلوب لصحتنا النفسية ، ويؤكد علماء النفس المتخصصون في مجال الأطفال أن لكل طفل احتياجات عاطفية أساسية لابد أن تلبي إذا كنا نرغب أن يكون مستقراً من الناحية العاطفية ، وأهم شيء من هذه الاحتياجات الحب والمودة ، فالإحساس بالانتماء والرغبة هو ما يحتاج إليه الطفل ، وبإعطائه المحبة التي يحتاج إليها ، فإنه سينمو حتى يكون شخصاً بالغاً مسئولاً ، ولكن بدون الحب ، سيكون شخصاً متخلفاً من الناحيتين : العاطفية والاجتماعية.

لقد أحببت هذه الاستعارة منذ سمعتها للمرة الأولى من الدكتور " روس كامبل " وهو طبيب نفسي متخصص في علاج الأطفال والمراهقين والتي تقول : " في داخل كل طفل " خزان للعاطفة " في انتظار أن يملأ بالحب ، فعندما يشعر الطفل بأنه محبوب ، فإنه سينمو بشكل طبيعي ؛ ولكن عندما يكون خزان الحب فارغاً ، سيتصرف الطفل بشكل غير سوى ، فأكثر السلوكيات السيئة التي تصدر عن الأطفال تكون بسبب الرغبة الملحة في ملء هذا الخزان".

وبينما كنت أستمع للدكتور روس ، فكرت في آلاف الآباء الذين كانوا يستعرضون سوء سلوك أبنائهم في مكتبي ، ولم أر على الإطلاق أية خزانات فارغة للحب داخل هؤلاء الأطفال ، ولكني بالتأكيد رأيت نتائج ذلك ، فسلوكياتهم السيئة كانت بحثاً فاشلاً عن الحب الذي لم يشعروا به ، لقد كانوا يبحثون عن الحب في كل الأماكن الخاطئة ، وبكل الطرق الخاطئة . وأتذكر " آشلي " ، والتي كانت تخضع للعلاج نتيجة إصابتها بمرض جنسی معد ، وهي لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها ، وقد صدم والداها ، وخاصماها ، وكانا غاضبين من المدرسة ومن فيها ، وحملوها المسئولية ؛ لأنها هي التي علمت ابنتهم الجنس وكانوا يتساءلون : " لماذا تفعل شيئا كهذا؟".

وخلال حديثي مع " آشلى " ، أخبرتني بانفصال والديها بالطلاق عندما كانت في السادسة من عمرها وقالت : " كنت أعتقد أن أبي هجرنا لأنه لا يحبني ، وعندما تزوجت أمي وأنا في العاشرة من عمري ، شعرت بأنها وجدت شخصا يحبها ، ولم أجد في هذا الوقت أحداً يحبني أنا ، فأردت بشدة أن أشعر بأنني محبوبة ، وعندئذ قابلت ذلك الفتى في المدرسة ، لقد كان يكبرني سنا ، ولكني كنت أروق له ، لم أستطع تصديق ذلك ، لقد كان لطيفا معي ، وفي فترة ما شعرت بأنه يحبني ، لم أكن أريد أن أمارس علاقة حميمة معه ، ولكني أردت أن أشعر أن أحداً ما يحبني " . لقد ظل " خزان الحب " الخاص بـ " آشلي " فارغاً لسنوات طويلة ، فقد وفرت لها والدتها وزوج والدتها كل احتياجاتها الجسدية ، ولكنهما لم يدركا أن هناك صراعا عاطفيا مريرا يتقد في داخلها ، لقد أحبا " آشلي " بكل تأكيد ، وأعتقدا أنها كانت تشعر بهذا الحب ، ولكنهما لم يكتشفا أنهما لم يكونا يتحدثان لغة " آشلى " الأساسية للحب إلا بعد فوات الوقت.

" وعلى الرغم من ذلك ، فإن الحاجة إلى الإحساس بالحب ليست ظاهرة خاصة بالأطفال ، فهي تظل معنا حتى مرحلة البلوغ وخلال الزواج أيضاً ، وتلبي تجربة " الوقوع في الحب " هذه الحاجة بشكل مؤقت ، ولكنه " حل سريع " ، كما سنعرف بعد ذلك ، والمدة التي يتوقع أن يعيشها تكون محدودة ، وبعد أن نستفيق من العالم الخيالي لتجربة " الوقوع في الحب " تعود الحاجة العاطفية إلى الحب في الظهور

مرة أخرى ؛ حيث إنها تعتبر شيئاً أساسياً في حياتنا ، إنها في أولويات رغباتنا العاطفية ، فنحن نحتاج إلى الحب قبل أن نمر بتجربة " الوقوع في الحب " ، وسنظل نحتاج إليه طالما كنا على قيد الحياة.

إن حاجة المرء إلى الشعور بأنه محبوب من شريكه في الحياة تأتي في مقدمة الرغبات الزوجية ؛ فقد قال لي أحدهم منذ فترة قصيرة : " ما فائدة البيت ، أو السيارة ، أو المصيف ، أو أي شيء آخر ؛ إذا كانت زوجة أحدنا لا تحبه ؟ " ، هل تفهمون ما يرمي إليه حقاً ؟ إنه يقصد أن يقول : " إن رغبتي في أن أشعر بالحب من زوجتي تفوق أي شيء آخر " ؛ فلا يمكن أن تحل الأشياء المادية محل الحب الإنساني والعاطفي ، لقد قالت لى إحدى الزوجات : " إنه يتجاهلني طوال اليوم ، ثم يأتي بعد هذا ويريد أن يمارس العلاقة الحميمة معي ، أنا أكره ذلك " ، إنها لا تكره العلاقة الحميمة ؛ ولكنها تحتاج الحب بشكل كبير ، إن شيئا ما بداخلنا يهتف لأن يكون محبوباً ، فالعزلة شيء مدمر للنفس البشرية ؛ ولذلك يعتبر الحبس الانفرادي أقسى أنواع العقاب ، حيث تكمن الرغبة في الحميمية والإحساس بحب الآخرين بداخل قلب الوجود البشري.

وقد وضع نظام الزواج لتلبية الحاجة إلى الحميمية والحب ؛ ولهذا نجد أن الأقدمين يقولون بأن الزوج والزوجة يصبحان " جسداً واحدا " بعد الزواج ، وهذا لا يعني أن أحدهما سيفقد هويته ، ولكنه يعني أن كلاً منهما سيعيش حياة الآخر بطريقة عميقة وحميمية ، وقد حضوا كلا الزوجين على أن يحب كل منهما الآخر ، وقد أكد الكتاب ، من لدن أفلاطون إلى " بيك " ، أهمية الحب في الحياة الزوجية.

ومع أن الحب مهم ، فإنه محير ؛ لقد استمعت إلى العديد من الأزواج والزوجات الذين شاركوني آلامهم الداخلية ؛ فبعضهم أتى إلى لأنه لم يعد يحتمل الألم الداخلي ، والبعض الآخر أتى لأنه أدرك أن سلوكياته أو السلوكيات السيئة لشريكه في الحياة تدمر زواجهما ، وأتى البعض كذلك ؛ ليخبرني بأنه ببساطة لم يعد يرغب بأن يكون متزوجاً ، لقد اصطدمت أحلامهم " بحياة زوجية سعيدة تستمر للأبد بالواقع المرير " ، ومراراً وتكراراً أسمع من يقول : " لقد انتهى الحب بيننا ، لقد ماتت العلاقة التي تربطنا ، لقد كنا نشعر دائماً بأن كلينا قريب من الآخر ، ولكننا لم نعد نستمتع ببقائنا معا فلم يعد يشبع أحدنا رغبات الآخر " ، وهذه الحكايات تثبت أنّ البالغين لديهم " خزانات للحب " تماما مثل الأطفال . هل يمكن أن يكون في داخل هؤلاء الأزواج المجروحين " خزانات للحب العاطفي " غير مرئية وخاوية تماماً ؟ هل يمكن أن تكون السلوكيات السيئة والانسحاب والكلمات القاسية والانتقادات ؛ بسبب وجود هذا الخزان فارغاً ؟ وهل إذا وجدنا طريقة لملئه يمكن أن يستمر الزواج من جديد ؟ وهل بوجود مثل هذا الخزان ممتلئاً يستطيع الزوجان خلق بيئة وجدانية تمكنهم من مناقشة خلافاتهم وحل صراعاتهم ؟ وهل يمكن أن يكون هذا الخزان هو كلمة السر في نجاح الحياة الزوجية؟

هذه الأسئلة جميعا ذهبت بي في رحلة بعيدة ، اكتشفت خلالها الأفكار البسيطة ، والقوية في الوقت ذاته التي يحتويها هذا الكتاب ، لم تستغرق هذه الرحلة منى ثلاثين عاماً من العمل كاستشاري علاقات زوجية فقط ، بل تطلبت منى إبحاراً في قلوب وعقول المئات من الأزواج والزوجات في كل أنحاء الولايات المتحدة ، وقد طلب منى العديد من الأزواج من سياتل إلى ميامى الدخول إلى غرفهم الزوجية الخاصة ، بصراحة كاملة.

والقصص التي يحتويها هذا الكتاب مأخوذة من الحياة الواقعية ، ولم نغير فيها إلا الأسماء والأماكن فقط حماية للحياة الشخصية لهؤلاء الأشخاص الذين تحدثوا بصراحة شديدة . وتحدثنا وأنا مقتنع تماماً بأن الحفاظ على خزان الحب ممتلئاً أمر مهم للعلاقة الزوجية تماماً كأهمية أن يكون الوقود في المستوى المناسب بالنسبة للسيارة ، إن الدخول في الزواج بينما خزان الحب فارغ من الممكن أن يكون مكلفاً للشخص أكثر من محاولته تشغيل سيارته بدون وقود ، وما أنت مقدم على قراءته الآن يمكن أن ينقذ المئات من الزيجات ، ويمكن أيضاً أن يحسن البيئة العاطفية للحياة الزوجية الجيدة ، فمهما كانت جودة حياتك الزوجية الآن ، فإنها يمكن أن تكون أفضل دائما.

تنبيه : إن فهم اللغات الخمس للحب ، وتعلم كيفية التحدث باللغة الأساسية للحب لشريك حياتك من الممكن أن يؤثر بشكل كبير على سلوك الزوج أو الزوجة ؛ فإن الناس يتصرفون بشكل مختلف عندما يكون خزان الحب لديهم ممتلئا . وقبل أن نعرض اللغات الخمس للحب ، لابد وأن نناقش مشكلة أخرى مهمة ومحيرة ، ألا وهي : الشعور بالسعادة الغامرة عند المرور بتجربة " الوقوع في الحب " .

من كتاب لغات الحب الخمسة

عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر
تابعنا على الفيسبوك تابعنا على تلغرام

إختبارات قد تعجبك