الموت
نوعان فقط من الأشخاص يستوقفونني في الحياة ... ذلك القوي الذي لا يكسره شي ، والتعيس المنهار الذي يبكي على الأطلال غداة و عشية . منذ الصغر تستوقفني صلابة الأول و هشاشة الثاني ، أتساءل ما الذي قد يوصل المرء إلى حد التحجر فيكسر كل ما يمر أمامه و لا ينكسر ، قسوة لا تحتمل ... أو أن يشبه منديلا ورقيا تفتته نقطة ماء أو هبة ريح .
ظلت هذه التساؤلات تجول و تجول داخلي ، حتى أدركت يوما ذلك الزائر الفظ ، الذي يحرق أرضا و لا يرحم سماء ، إنه يأتي بصور مختلفة ، لكنه يصل بك الى نتيجة واحدة .. فاجعة صرصر وراءها إما حجرا أو منديلا تخلف ، زارني الوغد مرتديا أحد أفظع أزيائه التنكرية ...
" الموت " ... يهابه الجميع ، جميعنا كنا نهابه دومًا ، لكنه عندما يزورك أخذا منك شخصا عزيزا فهو يزلزلك .. يخسف بك الحياة .
كنت أنتظر هبوب العاصفة بهدوء لم أعهده على نفسي قط ، رأيت جثمان أبي يغادر المنزل بعينين مغمضتين بسلام لا متناهي ، حولي عاصفة هوجاء و أنا واقف كالصنم .. خرج أبي .. بعد ايام انقضت العاصفة ، و علمت في داخلي أنني عندما انظر في المرآة سأرى أحدا ... جل ما أخشاه كان أن أرى حجرا آخر .. رفعت نظري و وضعت عيني أمام المرآة ... تحسست ملامح وجهي فلم ألتمس قسوة حجر ، و لم أشعر بهشاشة منديل ... يا إلهي ما هذا اسفنجة ؟ .
نعم اسفنجه لقد خلفت عاصفتي إسفنجة ... لا تكسر ما تمر به لكنها تمتصه بشغف ... تحاول جاهدة الكتابة عن الحب لكنها تفشل ... اذ كلما همت بالكتابة ... تلطخ نفسها و الورق بزحام ما امتصته اسفنجة ...
تمتص ألم من تحتضنه و ترمي به بعيدا ... تبعد الرطوبة عن المناديل الأخرى كي لا تتمزق .. و تواجه الحجارة بقوام لين غير قابل للكسر.
الموت ، الموت ليس آخر مشاويرنا في الحياة انه حياة اخري انا لا اتحدث عن عالم البرزخ ولا عن العالم الآخر انا اتحدث عن عالمنا الذي فيه الضعيف والقوي ! المنكسر والكاسر ! الظالم والمظلوم ! الشقي والمحروم ! عن قلوب ارهقها التعب وازهق روحها الارق والسهر وشل التفكير العقول عن قلوب.
تعبت من حمل الجراح عن قلوب تخدرت من كثرت اللطم عليها والضرب الموجع والفجعات القاسيه عن قلوب زادها القدر قوة والضرب قوة ، كالحديد يزيده الطرق قوه ولكن لا ننسى ان الطرق المتواصل على الحديد يعيد تشكيله ، كذلك القلوب ، فالصدمات والخيبات تعيد تشكيلها وتجعلها اقوى فتصير قلوبا قاسيه متحجره لا احساس فيها كانها أحجار لا تهتز لأحد ولا تحن ولا تشتاق ، فقدت جمالها وجوهرها .
وبعض القلوب كثرة الصدمات والضرب يلينها فتصير ارق من الورق واكثر ليونه ورقه وطراوه وحلاوه تلك قلوب رحيمه حميمه عطوفة تضحك لاقل دعابه ونكته وتحزن وتبكي لكل موقف يجرح الانسانيه وتغضب وتزعل وتثور عندما تمس الكرامه الانسانيه بسوء هذه القلوب لايمسها الموت فان مات الجسد بقي ما فعلته وصنعته خالدا شامخا بين الناس ، ان كان سوء ذهب حاملا معه كل انواع الشماتات والإسات وانزاح عن الناس هم ثقيل وصداع نصفي تحمر منه العينين ، اما القلب الصافي النقي فانه مثل الغيم حيث حل نفع يفتقده الكبير قبل الصغير تتوالي اليه القلوب بالدعوات والرحمات والصدقات فالموت موت القلوب وليس موت الاجساد فهناك قلوب اجسادها بين الناس تسعى وهي ميته ومشيده جثمانها الي المحرقه .
الموت ليس موت الجسد انما موت الاحاسيس والمشاعر.
عندما ياتيك الموت عليك ان تكون مستعدا له فهو لن يعطي انذارا إذا استعد من الآن.
سارع في رضى الرحمن دوما فإن القبر مبتدأ الحساب ولا تيأس فإن العجز عيب من الإنسان في وقت الشباب وبادر إن بقي في العمر وقت فإن الموت يطرق كل باب فإن النار موحشة الركاب وإن مصيرها قعر ظلام بها الزفرات تسمع في العذاب.
تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد وتب مما جنيت وأنت حي وكن منتبها قبل الرقاد ستندم إن رحلت بغير زاد وتشقى إذ يناديك المنادي اترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد.
الموت يأتي ببساطة فيأخذ الأحباب دون موعد
حتى الذين ماتوا في هذه الدقيقه كانوا يظنون الموت شيئا بعيدا فاستغفروا كثيرا
أتعجب مِمَن يتمنى الموت لنفسه من أجل موقف تافه أثار غضبه ، انصتوا لهدوء المقابر للحظة ، لا أعتقد بأنكم جاهزون لها.
الدنيا حلم والآخرة يقظة والمتوسط بينهما الموت ونحن في أضغاث الأحلام هذه تذكرة والسلام.
من كتاب مقتطفات الحياة