anyquizi logo

أسرار الشعور

أسرار الشعور

أسرار الشعور


أنت لا تحس بالفانلة على جسمك إلا في اللحظة التـي تلبسها .. وفي اللحظة التي تخلعها .. أما في الساعات الطويلة بين اللحظتين .. وهي على جسمك فأنت لا تحس بها ..

إنها على جسمك .. تلامس جلدك وتلتف حول صدرك وظهرك وذراعيك ولكنك لا تحس بها ولا تشعر بوجودها .

والمرأة بالمثل تحس بها وأنت تشرع في الزواج منها في فترة التعارف والخطوبة وكتب الكتاب وشهر العسل .. فـإذا لبسـتها تماما كالفانلة وأحاطت بصدرك وظهرك وذراعيك فقدت الشـعور بوجودها .. وأصبحت مثل قطعة أثاث في البيت تدخل كل يـوم لتجدها في مكانها .. مثل المنظر . الذي تطل عليه مـن نـافذتك يثيرك للمرة الأولى ثم يصبح عاديا تنساه تماما ...

وتظل المرأة منسية كالفائلة .. حتى تأتى اللحظة التي يدب فيها الخلاف بينك وبينها ويتأرجح الزواج على هاوية الطلاق وتبدأ في خلعها كما تخلع فانلتك ..

وفي تلك اللحظة تعود للشعور بها بعنف ويرتجف قلبك من خشية فراقها .

إن الزواج الذي يسمونه الزواج السعيد .. الزواج الذي يدوم فيه الوداد وتنتظم فيه العلاقة بين الزوجين في سياق رتيـب هادئ .. يفتر فيه شعور كل واحد بالآخر وينطفئ الوهج مـن قلب الاثنين .. ما السر ؟ ..

السر في كيمياء الأعصاب .. إن أعصابنا مصنوعة بطريقة خاصة .. تحس بلحظات الانتقال ولا تحس بالاستمرار .. حينما تفتح الشباك فجأة تسمع دوشة الشارع تملأ أذنيـك .. ثم تخف الدوشة شيئا فشيئا حينما يستمر صخبها في أذنك ..

وحينما تركب الأسانسير تشعر به في لحظة تحركه .. وفى لحظة توقفه .. أما في الدقيقة الطويلة بين اللحظتين فأنت لا تشعر بـه لأن حركته تكون مستمرة ...

وحينما تنظر للشمس لأول مرة تغشى عينيك ولكنك حينمـا تتعود عليها تبحلق فيها دون أن تتأثر ..

وحينما تعيش متمتعا بصحة مستمرة لا تحس بهذه الصحة .. ولا تتذكرها إلا حينما تمرض ..

وحينما تدخل السجن تفقد وزنك في الشهور الأولـى ، لأنـك تحس بالفارق بين هواء الحرية وهواء الزنزانة .. ثم تتعود على الزنزانة فتفقد إحساسك بضيقها .. وتبدأ تأكل بشهية وتسمن ..

إن الدوام قاتل الشعور .. لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عـن الاحساس بالمنبهات التي تدوم ..

نحن مصنعون من الفناء .. ولا ندرك الأشياء إلا في لحـظة فنائها .. نشعر بثروتنا حينما تفر من يدنا .. ونشعر بصحتنا حينما نخسرها .. ونشعر بحبنا حينما نفقده .. فإذا دام شيء في يدنا فإننا نفقد الاحساس به ..

كيف تحافظ الزوجة على زوجها وتجعل حبه يدوم؟


لا توجد إلا وسيلة واحدة .. أن تتغير .. وتتحول كل يوم إلى امرأة جديدة .. ولا تعطى نفسها لزوجها للنهاية ، تهرب من يده في اللحظة التي يظن أنه استحوذ عليها ، وتنـام كالكتكوت في حضنه في اللحظة التي يظن أنه فقدها .. وتفاجئه بألوان مـن العاطفة والاقبال والادبار لا يتوقعها .. وتحيط نفسها بجو متغير .. وتبدل ديكور البيت وتفصيله .. وألوان الطعام وتقديمها .

على الزوجة أن تكون غانية لتحتفظ بقلـب زوجهـا شـابا مشتعلا .. وعلى الزوج أن يكون فنانا ليحتفظ بحب زوجتـه ملتهبـا متجددا .. عليه أن يكون جديدا في لبسه وفي كلامه وفي غزله .. وأن يغير النكتة التي يقولها آخر الليل .. والطريقة التي يقضى بها إجازة الأسبوع .. ويحتفظ بمفاجأة غير متوقعة ليفاجئ بها زوجته كل لحظة ..

وزمان كانت الزوجة تتطوع بالرضا بالزوج على أنـه قسـمة ونصيب وتحبه كما تحب أمر الله .. وكان الزوج يتـزوج ليعيش .. وكان الزواج ينجح لأنه مدعم بإرادة إلهية أقوى مـن الحـب وأقوى من السعادة وأقوى من كل شيء ..

كانت الزوجة تحسـب زوجها طيبا وتحبه مجرما .. وتحبه مريضا .. وتحبه صحيحا .. وكان حبها في الحقيقة تدينا وعقيدة أكثر منه حبا .. أما الآن فالزوجة تقرأ الصحف وتدخل السينما وتسـمع الاذاعة وتطلب من زوجها غراميات متواصلة من نوع غـراميات روك هدسون ..

ولينجح الزواج لابد أن يكون الـزوج بهلوانا .. والـزوجة بهلوانة .. ليضع الاثنان الشطة في فطيرة الحب كل يوم .. وبالطبع الزواج الآن ألذ من زمان .. ولكنه متعب ويغـور بمشاكله .. وأنا أفضل زواجا أستريح فيه على زواج اتشقلب فيه كل يوم لأحرك أعصاب زوجتي وأحافظ على حبها .. وأجـدد شـهيتها نحوي .. أفضل أن تحبني زوجتي في تدين .. فأكون رجلها وبيتها وحياتها .. ويدوم حبنا لأنه عقيدة وإيمان قبل أن يكون حبا ..

لكن فين أيام زمان .. هذه أحلام .. ليس أمامنا الآن في هذا الجيل من البنات العفاريت .. غيـر ألاعيب روك هدسون .. ليس أمامنا غير زغزغة أعصاب زوجاتنا وتقديم المشـهيات العاطفية من كل لون .. لنحتفظ بهن .. وليحتفظن بنا ..

من كتاب في الحب والحياة
للكاتب مصطفى محمود


عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر
تابعنا على الفيسبوك تابعنا على تلغرام