الماضي صانع المستقبل
الإنسان تنطبع بداخله الصورة التي يرسمها لنفسه فلو أعتقد إنسان أنه فاشل فإن هذا الشعور والإحساس سيتملكه ويتسع وينتشر لديه حتى يسيطر عليه تماما فيفشل بالفعل ، وهو ما يعرف باسم التعميم السلبي.
يحكى أن شابا ذهب إلى حكيم صيني ، وطلب منه أن يمنحه طاقة إيجابية تعينه على تنفيذ مـا يتمناه ، فأحضر الحكـيـم ثـلاث زجاجات ، وملأ إحداها بالماء النقي وترك الثانية فارغة وملأ الثالثة بماء عكر ..
ثم طلب الحكيم من الشاب أن يتمكن من شرب الماء النقي من خلال الزجاجة التي تحتوي على الماء العكر ، فما كان من الشاب إلا أنـه أفـرغ من الزجاجة الثالثة مما كان فيها من مـاء عـكـر ثم حاول تنظيفها مـن خـلال الماء النقي الموجود بالزجاجة الأولى ، ومـا تبقـى مـن ماء نظيف قام الشاب بوضعه في الزجاجـة الثالثة وشربه ، ثم توجه الشاب إلى الحكيم بالسؤال عن مغزى هذا الأمر ..
فما كان من الحكيم إلا أن أخبره بأن الزجاجة الأولى المملوءة بالماء النقي هي ما يعبر عن آماله وطموحاته وما يسعى إلى تحقيقه في المستقبل .. أما الزجاجة المملوءة بالماء العكر فهي مـا يعـبر عما بـداخل هذا الشاب من تجارب وخبرات وبرمجة سابقة ، وأن عليه أن يعيد النظر في تلك التجارب والبرمجة السابقة كي يعيد برمجتهـا بالشكل الصحيح وإلا فلن يستطيع تحقيق ما يتمناه .
وعلـى الإنسان الذي يسعى لتغيير ماضيه أن ينظر لهـذا الماضـي ويـستفيد مـن تجاربه السابقة وأن يحـول تلك التجـارب إلى مهارة يـستفيد منها في وقته الحاضر.
إننا نجد كل إنسان مبرمجا بطريقة معينة منـذ الصغر ويكبر على هذه الطريقة ، ويتصرف ويتكلم بناء على هذه الطريقة ويأخذ القرارات من خلال هذه البرمجة .
والسؤال الآن : كيف نغير هذه البرمجة ؟
هذه البرمجة تتم في المخ في مكـان معين وتحدث بالحواس الخمسة فإذا حدث أي تغير في هذه الحواس ، فالمخ لن يعرفها . تلك البرمجة التي يكتسبها الفـرد مـن الأسرة والمدرسـة والأصـدقاء ووسائل الإعلام والمحيط الاجتماعـي ككل ، فضلاً عما يضيفه هو إلى ذلك .
إن الله – عز وجل – قد خلق العقل للإنسان ليكون خادمـه لا مديره ، فإن جعلته مديرك ، فسوف يـدير لك فقـط الملفات العقلية التي تمت برمجتها في الماضي ..
تلك الملفات التي أشار بـاحثو جـامعتي سان فرانسيسكو وهارفارد إلى أن 90 % منها ذو أثر سلبي ؛ لأن الفرد يكتسبها مـن المحيط الاجتماعي دون أي إدراك أو تحكم منه ، وبالتالي قد تكون الحياة غير مناسبة للفرد وطبيعة معيشته في الحياة .
وأذكر هنا قصة امرأة كانت تخاف من الصراصير فقلت لها : لم تخافين منها ؟ فقالت : لأن لون الصرصور بني وهو لون سيئ ، وبالمصادفة كانت تلبس اللون نفسه إذن ؟
فقالت السيدة : لأن اسمه كريه ، فسألتها عن اسم شخص تحبه فقالت : خالـد ، فقلـت لهـا : إذن سنسمي الصرصور بهـذا الاسم ، فكانت إذا ما رأت الصرصور ضحكت .
فالإنسان في منتهى القوة لكن التركيبة هي التي تكـون غـير صحيحة ، فلا نجد طفلاً يولد محبطا ..
وخلاصة القول أن البرمجة السابقة قابلة للتغيير.
إن الإنسان إذا غيّر تركيبة أفكار تسببت في أحاسيس سلبية إلى أفكار ينتج عنها أحاسيس إيجابية تتغير التجربة ، وعندما يعود إليها المخ مـرة أخـرى يجد أنها قد تحولت إلى مهـارة ... تحولت إلى قدرات . إننا لو بحثنا عبر صـفحات الإنترنـت عـن المؤلفات التي تتحدث عن الأهداف وترتيبها في حياة الإنسان لوجـدنا أمامنا كمًا هائلاً من المؤلفات التي قـد يـزيـد عـددهـا عـن خمسين ألـف مؤلف إلا أنها جميعا تتحدث عما يجب على الإنسان أن يفعلـه في مستقبله غافلة التجارب الماضية وقيمتها في صنع المستقبل .
لقد اعتاد كثير من الناس أن يعيشوا إمـا داخـل المـاضي منقطعين عن الحاضر والمستقبل ، وإما أن يحلقوا في آفاق المستقبل الواسعة دون ربط بين الماضي والحاضر والمستقبل ..
ولكـن علـى الانسان الذي يسعى إلى القمـة أن يستفيد من ماضيه جاعلًا منه قوة دافعـة تعينـه علـى تحقيـق أهدافـه في المستقبل . فليس معنى أن شخصا ما قد فشل في تجربـة سـابقة لـه أنـه سيكرر هذا الفشل مرة أخرى إذا مر بنفس التجربة ، بل على هذا الشخص أن ينظر إلى الأسباب التي أدت إلى حدوث هـذا الفشل ، ويحاول أن يتجنب تلك الأسباب في مستقبله فيكـون ماضيه هو المساعد له على تجنب الوقوع في الفشل .
والإنسان تنطبع بداخله الصورة التي يرسمها لنفسه .. فلـو اعتقد إنسان أنـه فـاشـل فـإن هـذا الـشعور والإحساس سيتملكه ويتسع وينتشر لديـه حتى يسيطر عليه تماما فيفشل بالفعل ، وهو ما يعرف باسم " التعميم السلبي ".
إن التعميم السلبي هو التركيز على شيء معين صـغيـر ثـم تعميم هذا الشيء ، فمثلاً الشخص المتضايق من شيء يقول البلـد كلها سيئة ، فإذا عمم الإنسان أمرا فلن يستطيع أن يتخـذ قـرارًا ، فالشخص الذي يقول أنا مضطرب نفسيا عمم الأمـر وضـخمه فتكون أحاسيسه مضخمة أيضا ..
لذا على هذا الشخص أن يعرف ما الذي يؤرقه فعـلا ويبـدأ بمعالجته فيخرج بذلك من التعميم إلى التخصيص .
وأخيرا أقول إنه ليس هنـاك فـشل وإنـما هنـاك خبرات وتجارب ، فـأي شخص ناجح في حياتـه ستجد لـه الكـثـير مـن السقطات والزلات ، فكلما ألقيت الكرة للأرض بقوة رجعت إليك بارتفاع أعلى وأسرع .
في الواقع ليس هنـاك فـشل فالشخص الفاشـل نـاجح في فشله ، لأن العقل البشري يعينك بما تعطيـه وتـزوده مـن أفـكـار ، فإذا أوحيت إليه بأنك فاشل فإنه ينمي لك تلك الفكرة ويمـدك بـكـل التـدعـيـم الـذي يؤكـد ذلـك ويبعـث في الجسم المشاعر والأحاسيس المصاحبة للفشل فهذا نجاح عقلي في الفشل .
ويجـب ألا نعيـد التفكير فيما مضى ليكـون نفعا لنـا في مستقبلنا وألا نكـون مـن البـاكـيـن عـلى اللبن المسكوب ، فإذا خسرت وظيفة ما فابحث عن غيرها .. وأذكر أنني طـردت مـن عـمـلي مـرتين ، وأذكـر أيـضـا أنـي قدمت طلبا للعمل في أحد الفنادق ، فقال لي الرجل الذي قابلني هناك : " أنت لن تنفع في العمل في الفنادق أبدا " فشكرته وعندما تركته قررت أنني سأنجح جدا في الفنادق ، وقررت في نفسي أنني سأدعوه للعشاء بعد تحقيق ذلك النجاح ، وفعلاً عندما أصبحت مديرًا عاما في أكـبر الفنادق دعوتـه للعـشاء ، وكـان الرجـل لا يتذكرني فذكرته بمقابلتي له ورفضه لي ، وقلت لـه : أنـا أشكرك لأنك كنت سببا في دفعي للنجاح ..
الا أن علـى الإنسان ان يستفيد مـن تجاربه الـسابقة لتكون خير معين لتحقيق اهدافـه في المستقبل .
واعلم أن رأي الآخرين فيك لا ولم ولن يدل عليك ، وذلك لأن هـذا الـرأي يكـون مبنيـًا عـلى قـيـم ونظـام وتفكير هـؤلاء الآخرين ، لا قيمك أنـت .. ولا تفكيرك أنـت .. ولا مفهومـك أنت ، فأنا وأنت والجميع معجـزة مـن الله – سبحانه وتعالى – فكيف لشخص أن يحكم على شخص آخر ليحدد مصيره ؟!
من كتاب الطريق الى القمة
للدكتور ابراهيم الفقي