أنت تعيش بالله
وأن تعيشَ لله ومعَ الله وإلي الله ..
فأنت تعيشُ بالله ..
بمعني أنك تعيش في كنفه ..في حمايته ..تحت وصايته ..
يسمعُ خلجاتِ نفسك فيحمل عنك همّك فيستحيل الهمّ إلى لا شيء .. و كأنه لم يكن ...ويستحيل الظلام الدامس إلي نور وراحة وهدوء .. وكأنه لم يكن ..وتستحيل الوحدة إلي معية مفعمة بالفرح و الحياة .. وكأنها لم تكن ..
فيفرح القلب فرحًا شديدًا بهذا النور وهذه الراحة وهذه الحياة فينبض نبضًا مختلفًا علي إقاع مختلف.. فينجلي ويطهر ويسمو ليستحق نظرة... وهو ينتظرها ..
فهو سبحانه نظر لهذا القلب نظرة رضى واحدة ..
نعم نظرة واحدة ..فيفرغه من كل السموم التي كانت تستشري في الشرايين وتصب في أعضاء الجسم كلها فترهقه وتدميه وتهلكه ...
نظرة رضى واحدة من الله فيحي القلب بعد موت وتدب فيه الحياة..
ودون ان يشعر صاحب القلب أو وهو يشعر أو حتى قبل أن يشعر تجد جميع جوارحه تعمل حتى وإن كان أصابها مرض عضوي أو أعياها تعب بدني أو أرهقتها الذنوب والمعاصي .. فعينيه التي أصابها الرمد اصبحت ترى بوضوح آيات الله في الكتاب الكريم والكون العظيم ولسانه الثقيل انطلق يذكر الله ويتفنن في الذكر ويتفنن في الدعاء إنه لسان لم يكن يعرف كيف يدعو دعوة بسيطة حتى ...فأصبح لسان ماهر قوي يثني على خالقه يذكره و يشكره ويتذلل اليه فقط بهذه النظره ....
ولا يتصور أن ما نقصده بحب الطاعات والإنشغال بالذكر والدعاء والصلاة والصيام هو أن تعيش في عزلة تقفل عليك بابك . لا !
فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه ..
ولكن أيضا العلاقة مع البشر فيها مشاكل وشوائب كثيرة تعرقل هذا الصفو فعليك أن تبحث عن صحبة صالحة كما في حديث أبو هريرة رضي الله عنه رواية أبو داود أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ("الرجُلُ على دِينِ خَليلِه؛ فَلْينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ"
والحديث
(إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) متفق عليه
وهذا الحديث يلخص العلاقة البشرية بامتياز لأنك إن عشت مع من ينشغلون بالله فرحت وسعدت وأعانوك إن تكاسلت تنصحهم مرة وينصحوك أخري تعينهم مرة ويعينوك آخري ..فيرتفع إيمانك برؤيتهم حتى...
أما من ينشغلون بالدنيا ولا يبالون بالمستويات العبادية والإيمانية سرعان ما يحدث في قلبك فتور وتعب وأنت معهم ..لأن المفردات التي ذكرناها من ذكر وقيام ليل وصيام تطوع وحفظ البصر والفرج كلها مفردات لا تعنيهم في شيء وهم في وادٍ آخر ربما يأتون هذه الأعمال بين الحين والأخر وفي المناسبات لكن حياتهم البئيسة مختلفة تماما يريدون ان يقضوا يومهم في الحياة ، بين أغنية و فيلم و خروجة وضحك وطعام في مكان ما ولهو وغفلة والحصول علي أي شيء مقابل ذلك ويظنون ان تلكموا هي السعادة و عاشوا حياتهم كذلك .
وجودك معهم يجعل تنصحهم مرة أو اثنين أو حتى سبعين مرة ثم ماذا بعد..ثم سيملون منك و يتحاشونك ويسدون آذانهم وأعيونهم بعدما سد الشيطان منافذ قلوبهم .
وأنت بين ثلاثة أمور مع هؤلاء المساكين الغافلين
الأمر الأول :
إما ان تكون سببًا في هدايتهم وسعدهم فتحلو الحياة أكثر بطاعة الله عز وجل وتشاركون بعضكم جمال النقاء والطهر فتتلون علي ضفاف البحر أذكار الصباح معًا مرة أنت ومرة هم وتصفون أقدامك المباركة في هدأة الليل تقومون في السحر تبكون معًا إلى ربكم ، فتنزل الدموع وينزل معها الجفاء والبعد وعندما يحين المساء وعلى مأدبة الطعام بعد صيام يوم جميل معا سيكون للشربة واللقمة طعما آخر.
إن سألت أصحابي عن أجمل لحظات عشتموها ..سيقولون لك عندما كنا نخرج في مخيمات إيمانية بعيدة لمدة سبعة أو حتى ثلاثة أيام .. كنا معًا خمسون أو حتى مائة شاب لهم هم واحد ويقومون بعمل واحد هو الإنشغال بطاعة الله على مدار اليوم والله إني لأتذكرك يا باشمهندس (سعيد سعد ) ونحن في شاطئ العالمين كنت أنا بعمر العشرين عاما وأول مرة نردد أذكار المساء معا وأنت الأب والوالد الحنون هل تعلم بعد كل هذه السنوات وبعد أن خط الزمان خطوطا على وجهك ووجهي ولا أتذكرك إلا بصورتك يومئذ بوجهك البراق الوضاء و شمس الأصيل تداعب جبينك وذكر الله ينساب على لسانك دررا منثورة ..سلام لك على الناحية الأخرى من البحر فإني انتظرك أن تشفع لي بهذا الحب يوم القيامة.
وإن أسعد لحظة في حياتي عندما أتذكرك يا (خالد محمد )في باب الشعرية وصوتك صوت الحصري يأمُّنا والله ما أحببت أن تنتهي الصلاة ليس لصوتك الجميل المدهش فحسب بل للصحبة واللمة والكل يبكي والكل ينشد رضا الله والكل يدعو والكل ينظر لأخيه ويبتسم في حنو وحب وامتنان ..
سلامًا لك علي الناحية الأخرى من البحر فإني انتظرك أن تشفع لي بهذا الحب يوم القيامة ...
الأمر الثاني أن تستسلم لهذه الصحبة الغير سوية . فالصاحب ساحب ..
نعم إنه إرهاق كبير جدا ان تكون مع زملاء عمل مثلا طوال 8 ساعات ويوجد اختلاط نساء ورجال وشتائم وسب دين و بعضهم يشرب مخدرات والفاظ تخدش و عيون زائغة وقلوب مريضة ونفوس مرتابة وبعضهم يكيدك من خلف ظهرك ويعيق عملك ماذا تفعل في هذا الجو إنه أمر مربك ان كنت وحيدا فأنت في مأزق كبير وحياة تشبه الكابوس إن استسلمت مرة سيؤرقك ضميرك مرات ولن تستمتع بحالة الغفلة هذه لأن هناك في آخر الليل نفس ملتاعة لوامة تريد ان تنعم بالعبودية لله ..وستؤرق عليك حياتك ..ستحاسبك وتناقشك وتكدر عليك الليل ..أما ان عاندتهم واستمريت علي موقفك ولم تنزل لمستواهم سيتهمونك ألف ألف تهمة كما قيل أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ..
والأمر الثالث
أن تفارقهم وترحل ويجب أن ترحل وفعلا هناك رجال كثيرون ونساء تركوا شغلهم لأنه لم يكن بيئة صالحة فبعدهم تحاشي العمل في المؤسسات الربوية والمشبوهة أو للتضيق وغير ذلك
يجب أن ترحل لأن الله وهبك روحا واحدة جميلة يجب أن تتجنب ما يؤذيها ستعيش الحياة مرة واحدة .. عشها صح .. فإن حدثت أخطاء سارع بالتوبة وأبعد عن أولئك الذين يجرونك الي الهاوية ويرتكبون غلطة عمرهم ..
فإن غلطة العمر ليست في صديق تركك او تركته لأن أحدكما لم يتفق مع الآخر أو شركة خسرتها وفشلت في إدارتها .. أو حتى زوجة تزوجتها ثم حدث عدم توافق بينكما فرحلت ..
إنما غلطة العمر هي أن تبتعد عن الطاعة وحب الله .. وتنزلق إلي أخطاء قاتلة ولا يرف جفنك ..
غلطة العمر أن ترتكب جريمة الزنا مثلا ولو لمرة واحدة وهي فعله شنيعة حيوانية تسقطك من رتبة إنسان إلي رتبة خنزير نتن مقرف حتي وإن تطهرت فما بالكم بمن يكررها كل مرة تحت ألف عذر وسبب ..
غلطة العمر هي ان ترتكب جريمة الربا و تحاد الله ورسولة ودرهم ربا واحد عقوبته فظيعة لا يتحمله قلب كيف وهي حرب من الله عليك بنص الآية .. فتجد أنك في أجمل لحظات عمرك في مشاكل والله..
كنت ضيف عند أحد أصحاب القصور خارج القاهرة وأعطاني جناحا في قصره الواسع نمت ليلة واحدة في الصباح المفروض العائلة تنتظر الفطور معا كانت المعارك الطاحنة على اتفه الأسباب وينقلب اللقاء الي هم وغم وشجار وعلو صوت مع أن أسباب الحياة المادية متوفرة .. ورأينا أسر كاملة لا يأتي عليها عيد أو مناسبة سعادة إلا وهم في مشاكل وخصام وفراق وكيف لا وأصغر عقوبة يوم القيامة لدرهم ربا هي كمن يزني بأمه في صحن الكعبة ..
تطهر يا مقرف من هذا العار ولا تتجمل ولا تبحث عن أعذار تافهة او فتاوي نافقة . بأنك محتاج ومجبر .
غلطة العمر هي عقوق الوالدين .. أحدهما أو كلاهما تحت أي سبب أو حجة .. يا ويلهم أولئك الذين يعقونهم بكلمة أفٍ فما بلك بمن يخاصم ويشتم ويسب الدين لإمه أو أبيه ثم يتجملون ويكتبون على صفحاتهم علي الفيس بوك وتويتر والانستجرام مع التقاط صورهم.. (هو في عيني أجمل أب هي في عيني أجمل أم ) يا للعار والشنار لا أعرف كيف تستحملون أنفسكم وكيف تطيب لكم الحياة ...تبا لكم ..سارع بالتوبة أخي الكريم لعل الله يرحمك.
غلطة العمر هو من يشرب المخدرات والخمور بحجة أنه يجرب او مجبر او يشارك في فرح أو مناسبة أو الشيخ أفتى بأن الحشيش طاهر وألف ألف سبب تافه ....
أتعجب لأولئك الذين يرتكبون هذه الكبائر وغيرها من الكبائر والحياة مستمرة معهم عادي ويفرحون ويضحكون عادي بل والأدهي من يفعلون ذلك ثم يتبجحون ويدعون الفضيلة ..
أتذكر وأنا في الصف الثاني الاعدادي أهداني استاذي مدرس الإنجليزي ( الأستاذ الشحات الغباري )
وهو كان سبب مباشر في تغير حياتي
أهداني كتاب الكبائر للإمام الذهبي ومن يومها لم أترك هذا الكتاب وأنصح به كل الشباب المقبلين علي الحياة .
ارحل طالما عندك عقل واطلب لهم الهداية والتوبة النصوح فهناك أمل أن يعود كل من فيه الخير إلى الله .
كتبه علي السيار