أسرار الجمال (جمال العبادة)
هل جربتَ أن تحبّ عبادةً من العباداتِ ؟
هل قرأت وسألت و عرفت آداب وفقه هذه العبادة وكل ما يتعلق بها ثم مارستها عن حب و راحة و سعادة فأصبحت تعيش أجمل أوقاتك وأنت معها ؟
هل بحثت عن أسرار هذه العبادة في الكتب وسألت عنها العلماء وأهل الحال والتجربة والدعاة إلى الله عز وجل ؟ اذا أنت نجحت...
لأن التربية على الجانب العبادي والإيماني لها مفعول السحر فى حياة العباد لها دور كبير جدًا في نجاحهم وسعادتهم في الدارين . وبالتالى تحسن حياة الناس
اعلم أن كل عبادة لها مردود إيمانى جمّ على الإنسان ؛ فهى السبب فى زيادة الإيمان ، ونقصها هو السبب المباشر فى نقص الإيمان ، و المفروض أيضا تحسين الجانب السلوكي والأخلاقي كما اخبر الرسول عليه الصلاة والسلام عن الرجل الذي ستنهيه صلاته عن المعصية ..
فعندما تمارس هذه العبادات بإتقان لفترة زمنية معينة تجد بينك وبين هذه العبادة حب ، وقرب ، وراحة ...
فتجد أعصابك قد ارتاحت وتجد مشاعرك وحواسك قد ازدهرت وأصبحت تتعامل مع هذه العبادة بانسيابية وسهولة ولطف بل وتجد نفسك فيها،
وقديما ذكر الغزالي أن هذه الحالة من الوجد والراحة والعشق لعبادة ما قد تقدح في الإخلاص التام لكن دعنا نجرب هذه الحالة أولًا ونتمتع بها ونعيشها ثم نتحاور حول رأي العلامة الغزالي.
فمثلًا : لو قلنا أنك تقرأ القرآن وأنّك تحافظ فى كل يوم على وردك ثلاثة أجزاء فتجد كلما ارتبطت بالقرآن وأصبح بينكم هذه العلاقة ، تجد نفسك لا تتوقف على ثلاثة أجزاء بل أحيانًا تقرأ أربعة أو خمسة أو ستة أجزاء وتجد نفسك كلما شعرت بضيق أو ملل تهرب إلى كتاب الله الجميل تجد فيه الهدى والنور والرحمة والسكينة ..وفى كل مرة تقطع شوطًا كبيرًا مع كتاب الله عز وجلّ . تنسى نفسك تماما في هذه الرحلة .
والجلسة الواحدة التي كنت مخطط لها أن تكون ربع ساعة مثلاً فإذا بك تقترب من الساعتين وأنت مازلت في رحلة طويلة فى عمق هذا الحب وعلى ضفاف بحور الوجد والجمال ..
فإذا حدث لك ظرفٌ وأحسست بالتعب أو المرض أو ملت النفسُ فعندما تترك هذه العبادة يومًا أو يومين أو ثلاثة أيامٍ ؛ لا تحس بالضياع والتقصير ليس لأنك تمتلك رصيدًا كبيرًا حاشا لله ...!
فمهما بذلت من عبادة فأنت تشعر بالتقصير كما قال ابن القيم رحمه الله : إن العبد الصادق لا يري نفسه إلا مقصرًا فمن عرف الله وعرف نفسه لم يرَ نفسه إلا بعين النقصان ..
لكن ما أقصده هناك شعور داخلك يتولد بأنك ستكتفي لحد بسيط قد يكون جزءًا أو حزبًا أو حتى ربعًا ، وهذا الجزء البسيط بالنسبة لك هو هدف كبيرٌ بالنسبة للأخرين عندما يقرؤون ربعًا من القرآن يحسبون أنّهم فعلوا الكثير .فسبحان الله!
من توفيق الله لك ورحمته جعل الشئ الذي هو الحد الأدنى لك هو قمة الأداء عند الآخرين ، وهكذا قال الإمام على- رضى الله عنه - " أنّك إذا أتتك نفسُك فاحْمِلْهَا على الطاعاتِ ، فإذا بَعدت عنك فاحملها على الفرائضِ كحدٍ أدنى "
و فى صيام التطوع : " عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ...."صحيح البخاري
إنّه الحبُ.....
انظر إلى الحديث القدسي الجميل " ما تقرّب إلي عبدي بشيٍء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافلِ حَتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه " رواه البخاري.
يجب عليك أن تتأمل هذا الحديث وأن تضعه فى برواز فى مكتبك و فى غرفة نومك و فى سيارتك . . لقد حفظت هذا الحديث وأنا في الأعدادية لكنه وقتها داعب خيالي البكر وبراءة الطفولة وصفاء البدايات فعشت مع هذا المعنى فإذا ( أحببته ) وتمنيت أن يحبني لحظة واحدة .. فإني أتوق لهذه اللحظة وأدفع عمري ثمنًا لها .
إن الله سبحانه وتعالى يهبك هذا الحب ، فإذا أحببت الله - عز وجل - أحببت العبادات والطاعات ، وتحسن سلوكك وأخلاقك ..فيحبك الله ويباهي بك الملائكة بل ويأمرهم ياعبادي، إني أحب فلانا فأحبوه ..
لكن اعلم أن هذا الحب متبادل ، فليس فى العلاقة بينك وبين الله حبٌ من طرف واحد .... فإنك إن أحببت الله بصدق ، أحبك وإن لم تعبد الله وانصرفت عنه انصرف عنك ، كما حكى (ابن القيم ): فى مثال جميل فى كتابه القيم أسرار الصلاة،
أن هناك رجل ذهب للقاء الملك فحينما أقبل على الملك سها وانصرف وانشغل بأشياء اخرى كالأثاث والخدم والفخامة فهل سيقبل عليه الملك طبعا لا ..
انظر لهذا الحديث
" يا ابْنَ آدمَ، خلقتُك لعبادتي؛ فلا تلعبْ، وتكلفتَ برزقِك؛ فلا تتَعبْ، فاطْلبني تَجِدنِي، فإنّ وجدتني وجدتَ كل شيء، وإن فُتُّك، فاتك كلٍ شيء، وأنا أحبُّ إليكَ مِن كلٍ شيء"
انه الحب ...
مما لا شك فيه أن أب عبادات أو طاعات فتوحات من الله يسوقها إليك ، فادخل من هذا الباب ولا تتوانَ .
عش فى كنف هذه الفتوحات فقد يفتح عليك باب الصيام أو باب القرآن أو باب الاذكار أو باب صلة الرحم أو باب الصدقة او زيارة بيت الله وسيدنا النبي ..
يقول: أحد التابعين طرقت الأبواب كلها وجدتها مزدحمة فبحث فإذا باب الذل لله فاضي فدخلت منه ..
يعني باب الصلاة وإحسانها وحبها عليه الكثير ومزدحم وباب الصيام وغيره كذلك فإذا باب الذل لله والإخبات فارغ فتذلل لله وتاب اليه.
لكن حقيقة يجب أن تعلمها مافي عبد مسلم إلا وفتح الله عليه في لحظة من اللحظات و جعله يتذوق حلاوة القرب منه وجمال وروعة هذا الشرع وعلم أن هذا هو الخير ولكنه للأسف اختار البعد عن هذه الطاعات والإقبال على المعاصي.. نعم اختاروا بملء إرادتهم وبكامل عقولهم أن ينصرفوا عن الله - عز وجل- وأن يغوصوا فى هذا المستنقع العفن ..
نعم اختاروا بكل حرية وراحة نفس بعدما ذاقوا حلاوة الطاعات ورزقهم الله لذتها وعلموا الخير فيها..
ولكن نفوسهم الخبيثة جرفتهم بعيدًا يغوصون في الوحل والضياع الشهور والسنين ثم يفيقون في مناسبة من المناسبات فيأتون الطاعات قليلا كالمدمن الخمور والمخدرات والخبائث كلها الذي شارف علي الهلاك يسارع لمصحة أدمان أسبوع أو أيام معدودة يتعافى قليلا ثم يعود يعاقر الباطل بضراوة وشبق منقطع النظير نعم يعودون سريعا للضياع و يلقون بالحجة والتبعية على الشيطان أو المجتمع أو الظروف وهم أساس الفساد وعنوان الضياع ومنبت السوء .
أسرار العبادات التى حكى عنها الغزالي فى إحيائه وهناك كتاب جميل للأستاذ( مصطفى مشهور ) اسمه زاد على الطريق، قرأته وأنا فى الجامعة ، قرأته عدة مرات يتحدث عن الزاد فى العبادات الصيام ، والزكاة ، والصلاة ، والحج ...... كما هناك كتب الإمام ابن القيم ومعاني متناثرة حينًا ومغدقة أحيانًا في تفسير الظلال وغيرها من الكتب ..
هذه الأسرار ليست حكرًا على أحدٍ ولم يأتِ بها فقه ولم تأت بها نصوص وإنما هي معاني جميلة تأتي من القلب ... نعم من قلبك أنت وهل بينك وبين الله اهتم بهذا القلب فأحسن نظافته ..نعم انظر لقلبك وهو يعيش فى كنف هذه الطاعات واخرج بالمعاني التى تراها مناسبة لحياتك من خلال تفكيرك وتدبرك ومشاعرك مع خالقك الكريم الرحيم الوهاب ..
كتبه الأستاذ علي السيار