سلم الاستدلال
هل وجدت نفسك يوماً ما حائراً من الطريقة التي فسر بها شخص آخر شيئاً ما قلته أو فعلته وجعل له معنى لم تقصده أبدأ ؟ أو ربما وجدت نفسك غاضباً من تعليق أو تصرف أحد ما واستنتجت أنه « حتماً » يتحامل عليك لسبب ما ؟ لقد كنت تتسلق سلم الاستدلال .
أول من تكلم عن سلم الاستدلال هو كريس أرغريس في عام 1970 ، وهو طريقة لوصف كيف تنطلق من بعض البيانات ( تعليق عليك أو أمـر راقبت حدوثه ) إلى سلسلة من العمليات العقلية التي تفضي إلى نتيجة . يبدأ الأمر بالاختيار من البيانات وتفسيرها من منظورك وشرحها لنفسك ، ومن ثم تستخلص نتيجة ما ، إنه أمر خطير ؛ لأن كل ذلك يحدث بسرعة بالغة في عقلك وربما لا تدرك أنك تقوم باختيار بعض البيانات فقط ، لا أحد آخر يرى عـمـليـات الـتـفـكـيـر الخـاصـة بك أو يعـرف مـا هي المراحل التي مررت بها للوصول إلى استنتاجك ، كل ما يرونه هو الإجراء الذي تتخذه نتيجة لذلك.
كيف يعمل السلم ؟
عملياً تميل قناعاتك إلى تعزيز البيانات التي اخترتها وكيفية تفسيرها مما يعني أنها تصبح حلقـة مـن تـقـيـيـمـات الأداء الإيجابية ، وهنا « الإيجابية » لا تعني بالضرورة « الجيدة » ، وإنما يعني ذلك أن تقييمات الأداء تدفع العملية تباعاً بدلاً من إيقافها وبالتالي تؤكد ما أنت مقتنع به أساساً.فيما يلي مثال بسيط كيف ننتقل بـتـفـكـيـرنا على السلم :
رتبت جين لقـاء مع مـاري لتناول الـقـهـوة في الساعة العاشرة والنصف صباحاً . تأخرت ماري ولم تشرح السبب ، في الواقع يبدو أنها لم تلاحظ أنها تأخرت على الإطلاق . قررت جين أن ماري لم تزعج نفسها لدرجة أن تحضر في الموعد المحدد ، وأن ماري تعتبر وقتها الخاص أهم بكثير من وقت جين . . استنتجت جين أن الأمر لا يستحق أن تزعج نفسها بترتيب لقاء آخر في المستقبل لأنه من الواضح أن ماري لا تريد رؤيتها .
عندمـا اقـتـرحت ماري أن تلتـقـيـا في الأسبوع المقبل اعتذرت جين لتجنب اللقاء . في نهاية هذا الأمر فإن كل ما تراه مـاري أن جين لا تريد مـقـابلـتـهـا مـجـدداً وقد لا يكون لديها أدنى فكرة عن السبب ، قد يكون هناك عدد من الأسباب التي جعلت ماري متأخـرة والتي لم يتم توضيحها : ربما يكون السبب مـوعـد مع طبيب ، أو ربما يكون سـبـبـاً بسيطاً كـأن تكون ساعتها متأخرة ، لذلك لم تكن لديها أدنى فكرة عن كونها متأخرة ، بينما في الوقت نفسه قررت جين أن هذه الصداقة لا تستحق بذل الجهد.
في كثير من الأحـيـان لـن تكـون حـتى على دراية بالقناعات والافتراضات التي يقوم عليها اختيارك للبيانات والاستنتاجات التي تضعها ، ربما تعود بشكل مباشر إلى مرحلة الطفولة ، أو لتعليق عـرضي ، أو حتى تعليق كنت تسمع به كثيرا وكان فقط نصف مفهوم بالنسبة لك.
تجنب تسلق سلم الاستدلال
ما الذي يمكنك فعله لتجنب تسلق سلم الاستدلال أو لمساعدة الآخرين تجنب ذلك ؟قبل كل شيء عليك أن تقبل بأنك ستقوم دوماً بإعطاء معنى والاستدلال مما يقوله الآخرون ويفعلونه اعتماداً على تجاربك السابقة ، إذ هذا ما يقوم به الناس ! لأنه إذا لم نستخدم التجارب السابقة لمساعدتنا في تأويل ما يحدث في العالم فإننا سنتوه بكل تأكـيـد ، ولن يكون أي شـخـص قـادراً على « التعلم من تجـاربـه » على الإطلاق . فالمسألة إذا هي الاستفادة من التجارب ولكن بطريقة لا تضع افتراضات حول سلوك الآخرين ، أو بطريقة تسمح لنا بالتحقق من هذه الافتراضات .
لدى معاينة عمليات التفكير احذر بشكل خاص من أجزاء المعلومات التي تأخذها كأمر مسلم به ، فمن المحتمل أن تكون متجذرة بعمق في نظام قناعاتك ، ويستحق الأمر أن تتوقف لفحصها للتأكد من كونها حقائق فعلاً ، في بعض الأوقات على الأقل سـتـجـد أن الآخرين لا يرونها « صحيحة » على الإطلاق . وعند شرح أسبابك وآلية تفكيـرك يمكنك استخدام عبارات مفتاحية « إذا سمعت أنك أحببت هذا الجزء ولكن ليس هذه الهيئة ، هل هذا صحيح ؟ » ، « يبدو لي الأمـر وكأنه . . . » ، و « أنا أعتقد أن الأمر الفلاني منطقي ولكن هل يوافقني الآخـرون ؟ » يمكن أيضـاً طرح أسئلة لاخـتـبـار البيانات ، هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الأسئلة ، يمكنك أن تطلب البيانات بطريقة الأسئلة ذات النهاية المفتوحة ، أو أن تختبر افتراضاتك ، أو فقط اذكر البيانات التي لاحظتها .
في المثال أعلاه كان يمكن أن تقول جين لماري :
« هل كل شيء على ما يرام ؟».
« هل علقت في زحمة المرور هذا الصباح ؟».
« هل كان توقيت العاشرة والنصف مبكر جداً بالنسبة لك ؟ كنا أجلناه».
« هل كـان مـن غـيـر المناسب اللقاء في هذا الصـبـاح ؟ يمكنك دوماً إخباري عندما لا يكون مناسباً ويمكننا ترتيب موعد آخر».
« يا إلهي لقد تأخرت كثيراً»
أي من هذه الأسئلة يمكن أن تفتح محادثة حول سبب
تأخر ماري أو تكشف حقيقة أنها لم تكن لديها أدنى فكرة عن كونها متأخرة ، وبالمقابل عندما تقول جين أنها لا ترغب باللقاء في الأسبوع المقبل من الممكن أن تقول ماري لجين : « هل أنت بخير ؟ لقد كنت هادئة جدا هذا الصباح » . وعلى أي حال فإنه من الصعب اخـتـبـار افـتـراضـاتك النهائية بشكل مباشر من دون أن تبدو غبياً أو وقحاً ، وأنك تطلب إجابة معينة ، على سبيل المثال كان من الصعب على جين أن تسـأل مـاري فـيـمـا إذا كـانـت مـاري تهـتم للقائهما ، لأنه من الصعب أن تبنى قناعتها على الجواب حيث أن ماري ملزمة بقول إنها مهتمة ( للقائهما ) حتى لو أنها غير مهتمة من باب التهذيب ؛ لذا من المهم التفكير في كيف ستطرح الأسئلة لتختبر بياناتك وافتراضاتك . نقطة واحدة أخيرة : عند اختبار البيانات أو الافتراضات لا تحتاج أن تذكر سلم الاستنتاج على الإطلاق ، كما قال ريك روس إن استخدامه لا يتعلق بالتشخيص بل بالمساعدة في جعل عملية تفكيرك وتفكيـر الآخـريـن أكـثـر وضـوحـاً ، وبالتالي تحسين التواصل ، إذا كنتما تعرفان النموذج فإنه يمكن أن يؤمن لغة تواصل مـفـيـدة ، ومع ذلك لن يساعدك مطلقاً أن تقول : « هل تتسلق سلم الاستنتاج قليلاً هنا ؟ » الأمر الذي قد يراه حتى أقل الأشخاص حساسية أنه مثير للغيظ.
من كتاب ٤٤ مذهل