لغة الحب الثانية : تكريس الوقت
كان لابد أن أعرف لغة الحب الأساسية لـ " بيتى جو " منذ البداية ، ما الذي كانت تقوله في تلك الليلة الربيعية عندما قمت بزيارتها هي و " بيل " في بلدة " ليتل روك " ؟ لقد كانت تقول : " إنّ " بيل " عائل جيد للأسرة ، ولكنه لا يقضى أي وقت معي ، ما فائدة المنزل والسيارة الجميلة وكل الأشياء الأخرى إذا لم نستمتع بها معا ؟ " ، ماذا كانت رغبتها ؟ لقد كانت تريد وقتاً خاصاً مع " بيل " ، وتريد اهتمامه ؛ تريد منه أن يركز اهتمامه عليها ، وأن يمنحها بعضاً من وقته ، وأن يشاركها في عمل بعض الأشياء.
وأعنى بـ " الوقت الخاص " أن تعطى شخصاً ما انتباهك بالكامل ، ولا أقصد أن تجلسا على الأريكة وتشاهدا التلفاز معاً ؛ فعندما تقضى الوقت بهذه الطريقة ، فإن قناة ABC أو NBC هي التي تسترعى انتباهك ، وليس زوجك أوزوجتك ، ما أقصده هو أن تجلسا على الأريكة ، وجهاز التلفاز مغلق ، ينظر كل منكما للآخر وتتحادثان ، ويعطى كل منكما للآخر انتباهاً كاملاً ، هذا يعني أن تتريضا معاً بمفردكما ، أو أن تخرجا معا وتتناولا الطعام وينظر كل منكما للآخر وتتحادثان ، هل لاحظت ذات مرة في أحد المطاعم أنه يمكنك دائماً أن تميز بين الأشخاص المتزوجين والأشخاص المخطوبين؟
فالأشخاص المخطوبون ينظر كل منهما للآخر ويتحادثان معاً ، أما المتزوجون ، فيجلسون ويحملقون في كل جانب من جوانب المطعم ، ربما تعتقد أنهم ما جاءوا إلى المطعم إلا ليأكلوا !
عندما أجلس مع زوجتي على الأريكة ، وأعطيها عشرين دقيقة من اهتمامي الكامل ، وتفعل هي الشيء ذاته معي ، فإن كل واحد منا يعطى للآخر عشرين دقيقة من الحياة ، ولا يمكننا استعادة هذه الدقائق ثانية ؛ فكل طرف منا يعطى حياته للآخر ، وهذا موصل عاطفي قوى للحب.
إن علاجاً واحداً لا يمكنه علاج كل الأمراض ، وفي نصيحتي لـ " بيل " و " بيتي جو " ارتكبت خطأ كبيراً ؛ فقد افترضت أن كلمات التشجيع ستؤثر في " بيتى جو " بقدر ما تؤثر في " بيل " ، وكنت آمل أنه عندما يقول كل منهما للآخر كلمات التشجيع المناسبة ، فإن المناخ العاطفي لحياتهما الزوجية سيتغير ، وسيبدأ كل منهما بالشعور بأنه محبوب ، وقد كان هذا صحيحاً بالنسبة لـ " بيل " ؛ فقد بدأ يشعر بإيجابية أكثر تجاه " بيتى جو " ، وبدأ يشعر بتقدير حقيقي لعمله الشاق ، ولكنه لم ينجح مع " بيتى جو " ؛ لأن كلمات التشجيع لم تكن لغتها الأساسية للحب ، وإنما كانت لغتها هي تكريس الوقت . تناولت التليفون مرة أخرى وشكرت " بيل " على جهوده خلال الشهرين الماضيين ، وأخبرته بأنه قد قام بعمل جيد عن طريق تعزيز الثقة في " بيتي " ، وأنها سمعت كل هذه الكلمات ، ولكنه قال لي : " ولكن يادكتور " تشابمان " ، هي لا تزال حزينة إلى حد ما ، ولا أعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد معها ".
فقلت له : " أنت محق في هذا ، وأعتقد أنني أعرف السبب ، فالمشكلة أننى اقترحت عليها لغة الحب الخاطئة " ، لم يفهم " بيل " الفكرة الضبابية التي قصدتها ، فأوضحت له أن ما يجعل أحد الأشخاص يشعر بأنه محبوب عاطفياً ليس بالضرورة أن يكون نفس الشيء الذي يجعل شخصاً آخر يشعر بأنه محبوب من الناحية العاطفية.
اتفق معي أن لغته كانت كلمات التشجيع ؛ فقد أخبرني ماذا كانت تعنى له تلك الكلمات عندما كان صبياً ، وكم كان شعوره عندما عبرت له " بيتى جو " عن تقديرها لما فعله ، فأوضحت له أن لغة " بيتى جو " الأساسية ليست كلمات التشجيع ولكن تكريس الوقت ، وشرحت له فكرة أن تعطي شخصاً ما اهتمامك كاملاً ، لا أن تتحدث معه وأنت تقرأ مجلة أو تشاهد التلفاز ، بل تنظر إليه مباشرة وتعطيه كل اهتمامك ، وأن تفعل شيئا معه يستمتع به بكل قلبه ، فقال لي : " كأن أذهب معها إلى حفلة سيمفونية " ، أستطيع أن أقول إن الأنوار بدأت تعود إلى بلدة " ليتل روك " . أضاف ، قائلا : " دكتور " تشابمان " ، هذا ما كانت تشكو منه ثم دائماً إنني لا أفعل شيئاً معها ، ولا أقضى معها أي وقت ، وكانت تقول : " لقد كنا نذهب إلى أماكن كثيرة ونفعل الأشياء قبل الزواج ، أما الآن فإنك مشغول دائما " ؛ إذن هذه هي لغة الحب خاصتها ، لا شك في ذلك ، ولكن ماذا سأفعل يادكتور " تشابمان " ؟ إن وظيفتي تتطلب منى ذلك".
فقلت له : " أخبرني عن وظيفتك؟".
وخلال الدقائق العشر التالية ، شرح لي تدرجه في السلم الوظيفي في الشركة ، وكيف كان يجتهد في عمله ، وكيف أنه فخور بإنجازاته ، وأخبرني بأحلامه للمستقبل ، وأنه يعرف أنه خلال خمسة أعوام ، سيكون في المكانة التي أرادها لنفسه.
فسألته قائلاً : " وهل تريد أن تكون في هذه المكانة بمفردك ، أم تريد أن تكون مع " بيتى جو " والأولاد؟".
" أريدها أن تكون معي يا دكتور " تشابمان " ، وأريدها أن تستمتع بها معى ؛ ولهذا كنت دائماً أشعر بالألم بشكل كبير عندما تنتقدني لأننى أقضي الوقت كله في عملي ؛ فأنا أفعل ذلك من أجلنا جميعاً ، وأردتها أن تكون جزءاً من هذا النجاح ، ولكنها دائماً ما تكون سلبية بشكل كبير".
فسألته قائلاً : " هل بدأت تفهم يا " بيل " لماذا كانت سلبية لهذه الدرجة؟
لأن لغة الحب بالنسبة لها هي تكريس الوقت ، وأنت لم تعطها إلا وقتاً قليلاً جداً لدرجة أن خزان الحب عندها أصبح فارغاً ، ولم تعد تشعر بالأمان في حبك ؛ ولهذا كانت تنتقد ما يستهلك جميع وقتك في نظرها وهو عملك . وهي في الواقع لا تكره عملك ، ولكنها تكره حقيقة أنها لا تشعر إلا بالقليل من الحب من جانبك ، وهناك حل واحد فقط يا " بيل " ، وهو مكلف ، وهو أنك لابد أن تكرس بعضاً من وقتك لـ " بيتى جو " ، ينبغي أن تحبها بلغة الحب الصحيحة".
" أعرف أنك محق يا دكتور " تشابمان " ، فمن أين أبدأ ؟ " .
" هل ما زلت تحتفظ بالمفكرة الصغيرة الخاصة بك ؟ تلك التي كتبنا فيها قائمة بالأشياء الإيجابية لدى " بيتي جو"؟".
" هذا شيء جيد ، سنقوم الآن بكتابة قائمة أخرى ، ما الأشياء التي تعرف أن " بيتي جو " تريدك أن تفعلها ؟ أشياء ذكرتها خلال السنوات الماضية " . وكانت هذه قائمة " بيل " :
- أن نأخـذ سيارتنا الفارهـة ونقضـى عطلة نهاية الأسبوع في الجبال ( نصطحب الأطفال في بعض الأحيان ، وفي أحيان أخرى نذهب بمفردنا).
- أن أقابلها لتناول الغداء ( في مطعم جميل أو حتى في ماكدونالدز).
- أن أحضر جليسة أطفال وأدعوها للعشاء خارج البيت ، نحن الاثنين فقط . عندما أعود إلى المنزل ليلاً ، أجلس وأتحدث معها حول يومي ، وأستمع إليها بينما تحكي هي عن يومها ، ( لا تريد مني أن أشاهد التلفاز عندما نحاول أن نتحدث).
- أن أجلس مع الأطفال لبعض الوقت ، وأتحدث معهم حول ما يلاقونه في المدرسة.
- أن ألعب مع الأطفال لبعض الوقت .
- أن أذهب في نزهة بصحبتها والأولاد يوم الأحد ، ولا أشتكي من النمل والحشرات .
- أن أقضي إجازة مع العائلة مرة كل عام على الأقل .
- أن أخرج في نزهة معها ، ونتحدث أثناء سيرنا ، ( وألا أتمشى منفردا).
وقال لي : " هذه هي الأشياء التي تحدثت عنها خلال السنوات الماضية " . " أنت تعرف ما الذي سأقترحه عليك يا " بيل " ، أليس كذلك ؟ " .
فقال : " أفعلها ".
" هذا صحيح ، افعلها مرة كل أسبوع خلال الشهرين القادمين ، ولكن كيف ستجد الوقت لذلك ؟! أنا أعلم أنك ستتمكن من إيجاده ، فأنت رجل حكيم ، وما كان لك أن تصل إلى ما وصلت إليه إذا لم تكن تجيد اتخاذ القرارات ، إنك تمتلك القدرة على وضع خطط لحياتك ، وستتمكن من أن تضع " بيتي جو " في خططك " .
فقال : " أعرف أنني أستطيع فعل ذلك " .
" ولا ينبغي أن يؤثر ذلك على أهدافك الوظيفية يا " بيل " ، هذا يعني فقط أنه عندما تكون على القمة ، سيكون معك حينئذ " بيتي جو " والأولاد " . .
" هذا ما أريده أكثر من أي شيء آخر ، أريدها أن تكون سعيدة ، سواء كنت على القمة أو في القاع ، وأريد أن أستمتع بالحياة معها ومع الأولاد".
ومرت السنون ، ووصل " بيل " و " بيتى جو " إلى القمة ، ثم بدأ من الصفر من جديد ، ولكن الشيء المهم أنهما فعلا ذلك معاً ، وترك الأولاد العش ، واتفق رأيا " بيل " و " بيتى جو " على أن تلك السنوات كانت أفضل سنوات عمرهما على الإطلاق ، فقد أصبح " بيل " مولعا بالحفلات السيمفونية بدرجة كبيرة ، وكتبت " بيتى جو " ، في مفكرتها الصغيرة ، قائمة كبيرة جداً بالأشياء التي تقدرها في " بيل " ، ولم يمل في ما من سماع تلك الأشياء ، لقد افتتح الآن شركته الخاصة ، ويوشك أن يصل للقمة مرة أخرى ، ولم يعد عمله يشكل تهديدا بالنسبة لـ " بيتي جو " ، فهي متحمسة لعمله وتشجعه ؛ لأنها تعلم أنها في المرتبة الأولى في حياته ، إن خزان الحب لديها ممتلئ ، وهي تعرف أنه إذا بدأ ينضب فإن طلباً بسيطاً من جانبها سيسترعي انتباه " بيل " بالكامل.
المعية
إن المعية جانب مهم في تكريس الوقت ، ولا أعنى بذلك القرب المكاني ، فالشخصان اللذان يجلسان في نفس الغرفة متقاربان ، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة أنهما معاً ، إن المعية تعني التركيز الكامل ، فعندما يجلس الأب على الأرض ويدحرج الكرة نحو ابنه ذي الثلاثة الأعوام ، فإن انتباهه لا يتركز على الكرة ، ولكنه ينصب على الطفل ؛ وهذه اللحظة القصيرة مهما طالت فهما معاً ، أما إذا كان الأب يتحدث في الهاتف أثناء رميه للكرة ، فإن انتباهه يتشتت . ويعتقد بعض الأزواج والزوجات أنهم يقضون وقتهم معا ، بينما هم في الحقيقة يعيشون فقط على مقربة من بعضهم البعض ، إنهم يعيشون في نفس البيت ، في نفس الوقت ، ولكنهما ليسا معا ، إن الزوج الذي يشاهد الرياضة على التلفاز ، بينما يتحدث إلى زوجته ، لا يكرس لها وقته ؛ لأنه لا يعطيها اهتمامه.إن تكريس الوقت لا يعني أننا ينبغي أن نقضي الوقت يحملق كل منا في عين الآخر ، ولكنه يعني أن نفعل شيئاً ما معاً وأن نعطى الطرف الآخر الانتباه الكامل ، والنشاط الذي نمارسه معاً شيء بسيط ، أما الشيء المهم من الناحية العاطفية فهو أننا نقضي وقتاً مركزاً مع بعضنا البعض ، وما هذا النشاط إلا وسيلة لتوليد الشعور بالمعية ؛ فالشيء المهم بالنسبة للأب الذي يدحرج الكرة للصبي الصغير ليس النشاط نفسه ، بل المشاعر التي تتولد بين الأب والابن . وبالمثل ، فإن الزوج والزوجة اللذين يلعبان التنس إذا كان وقتاً خاصاً حقيقياً فلن يركزا على اللعبة ، بل سيركزان على حقيقة أنهما يقضيان الوقت معاً.
إن ما يحدث للمستوى العاطفي هو ما يهم ، فقضاؤنا للوقت معا في شيء مشترك يوصلنا إلى أن يهتم كل منا بالآخر ، وأن نستمتع بكوننا معاً ، وأن نحب أن نفعل الأشياء معاً . المحادثة الخاصة إن لغة تكريس الوقت مثل كلمات التشجيع لها العديد من اللهجات ، وإحدى أهم اللهجات في لغة تكريس الوقت هي المحادثات الخاصة ، وأعنى بالمحادثات الخاصة الحوار العاطفي ؛ حيث يتبادل شخصان تجاربهما ، وأفكارهما ، ومشاعرهما ، ورغباتهما في سياق حميمي مستمر.
إن معظم الأشخاص ، الذين يشكون من أن شريك حياتهم لا يتكلم معهم ، ' يقصدون حرفياً أنه لا يتفوه بكلمة إطلاقاً ، بل يقصدون أنهم نادراً ما يشتركون في حوار عاطفي ، فإذا كانت لغة شريك حياتك هي تكريس الوقت ، فإن مثل هذه الحوارات مهمة جدا لإحساسه العاطفي بأنه محبوب.
وتختلف المحادثة الخاصة عن لغة الحب الأولى قليلاً ، فبينما تركز كلمات التشجيع على ما نقوله ، فإن المحادثات الخاصة تركز على ما نسمعه ، إذا كنت سأشاركك الحب عن طريق تكريس الوقت ، وسنمضي الوقت في تجاذب أطراف الحديث ؛ فهذا يعني أنني سأركز في الحديث معك ، والاستماع باهتمام إلى ما تقوله ، وسأسألك لا لكي أضايقك ولكن برغبة حقيقية لفهم أفكارك ، ومشاعرك ورغباتك.
قابلت " باتريك " وهو في الثالثة والأربعين من عمره ، وكان متزوجاً منذ سبعة عشر عاماً وأتذكره ؛ لأن كلماته الأولى كانت مؤثرة جداً ، لقد جلس على الكرسي الجلدي في مكتبي ، وبعد أن تحدث عن نفسه قليلاً ، تقدم للأمام وقال بانفعال : " دكتور " تشابمان " ، لقد كنت أحمق ، أحمق بالفعل ؟ " . فسألته : " ما الذي أوصلك لهذه النتيجة ؟ " . فقال : " لقد كنت متزوجاً لمدة سبعة عشر عاماً ،وقد هجرتني زوجتي ، وأدركت الآن كم كنت أحمق " . ،
فكررت عليه سؤالي الأصلي : " كيف كنت أحمق ؟ " . فقال لي : " كانت زوجتي تعود من العمل وتحكي لي المشاكل التي واجهتها في شركتها ، وكنت أستمع إليها ، وبعد هذا أخبرها بما أعتقد أنها يجب أن تفعله ، وكنت أقدم لها النصح دائماً ، وكنت أخبرها بأن عليها أن تواجه مشاكلها ، وأقول لها إنّ المشاكل لا تحل من تلقاء نفسها ، وينبغي عليك أن تتحدثي مع المتورطين في هذه المشاكل ، أو مع المشرفين عليك ، ولابد أن تتعاملي مع تلك المشاكل ، وتأتى من العمل في اليوم التالي وتخبرني بنفس المشاكل ، فأسألها إن كانت قد فعلت ما نصحتها به في اليوم السابق ، فتهز رأسها وتقول لا ، فأكرر عليها نفس النصيحة ، وأخبرها بأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا الموقف ، وتعود إلى المنزل في اليوم التالي وتخبرني بالمشاكل ذاتها ، وأسألها ثانية عما إذا كانت قد فعلت ما نصحتها به ، فتهز رأسها وتقول لا " .
وبعد تكرار ذلك لثلاث أو أربع ليال ، بدأت أغضب ، وأخبرتها ألا تتوقع منى أي تعاطف إذا لم تأخذ بنصيحتي ، وأنها ليست مضطرة لأن تعيش تحت هذه الضغوط والتوترات ، وأنها تستطيع أن تحل هذه المشاكل ببساطة إذا فعلت ما أنصحها به ، كان يؤلمني أن أراها تعيش تحت كل هذه الضغوط ؛ لأنني أعلم أنها ليست مضطرة لذلك ، وعندما تحدثت عن المشاكل مرة أخرى ، قلت لها : " لا أريد أن أستمع إلى هذه المشاكل مرة أخرى ، فقد أخبرتك بما ينبغي عليك فعله ، فإذا كنت لا ترغبين في الأخذ بنصيحتي ، فلا أريد أن أستمع إلى هذه المشاكل مرة أخرى " .
وأضاف : " كنت أنسحب وأهتم بعملي ، كم كنت أحمق ، ما أشد حمقى ! لقد أدركت الآن أنها لم تكن تريد نصحى عندما كانت تخبرني بمعاناتها في العمل ، بل كانت تريد تعاطفى ، لقد أرادت منى أن أستمع لها ، وأن تجذب انتباهي ، وأن تعلم أنني أستطيع أن أتفهم الألم والضغوط والتوترات التي تعيش فيها ، وأرادت كذلك أن تعلم أنني أحبها وأقف بجانبها ؛ إنها لم تكن تريد منى النصح ، بل أرادت فقط أن تعلم أني تفهمت ذلك ؛ ولكني لم أحاول أن أفهم ذلك إطلاقاً ، فقد كنت مشغولاً طول الوقت بإسداء النصائح ، كم كنت أحمق ، وقد فارقتني الآن " . وتساءل : " لماذا لا يستطيع المرء أن يرى هذه الأشياء عندما يمر بها ؟ لم تكن عینای تبصران ما يجري ، والآن أعرف حقاً كم خذلتها".
كانت زوجة " باتريك " بحاجة ماسة إلى محادثة خاصة ، فمن الناحية العاطفية ، كانت تنتظر منه أن ينتبه لها بكل كيانه ، بأن يستمع لآلامها وإحباطاتها ، ولم يكن " باتريك " بريد أن يستمع ، بل أن يتحدث ، لقد كان يستمع ما يكفيه لأن يعرف المشكلة ويجد لها حلا ، لم يكن يستمع بالدرجة الكافية لأن يدرك حاجتها إلى الدعم والتفاهم.
والكثيرون منا مثل " باتريك " ، قد تدربنا على أن نحلل المشاكل ونجد لها الحلول ، ونسينا أن الزواج علاقة ، وليس مشروعاً يجب استكماله ، أو مشكلة يجب حلها ، وهي علاقة تتطلب إنصاتاً مقترناً بالتعاطف ؛ لتفهم أفكار الطرف الآخر ومشاعره ورغباته ، ويجب ا أن نكون مستعدين لإعطاء النصح ، ولكن عندما تطلب منا فقط ، ولا نعطيها على سبيل التفضل ، ومعظمنا لم يتدرب كثيراً على الاستماع ، ولكننا لدينا كفاءة كبيرة في التفكير والتحدث ، وربما يكون تعلم الاستماع بنفس درجة الصعوية التي يتعلم بها الشخص لغة أجنبية ، ولكن يجب علينا أن نتعلمه إذا كنا نرغب في أن نعبر عن حبنا للطرف الآخر ، وهذا صحيح خصوصاً إذا كانت اللغة الأساسية لشريك حياتك هي تكريس الوقت ، ولهجته المحادثة الخاصة ؛ ولحسن الحظ فقد كتبت العديد من الكتب والمقالات حول تنمية مهارة الاستماع ، ولا أريد أن أكرر ما كتب في أي مكان آخر ، ولكني سأقترح الملخص التالي للنصائح العملية :
١. احرص على أن يكون هناك تواصل بصرى عندما تتحدث مع شريك حياتك ؛ فإن هذا يساعد عقلك على عدم التشتت ، ويوصل إلى الطرف الآخر أنك تعطيه كل تركيزك .
۲. لا تستمع إلى الطرف الآخر وتفعل شيئاً آخر في نفس الوقت ، وتذكر أنّ تكريس الوقت معناه أن تعطى شخصاً ما تركيزك بالكامل ؛ فإذا كنت تشاهد التلفاز أو تقرأ جريدة أو تفعل أي شيء آخر ، وأنت مهتم بهذا الشيء جدا ولا تستطيع أن تتحول عنه في الحال ، فأخبر الطرف الآخر بالحقيقة . يمكنك أن تفعل ذلك بهذه الطريقة " أنا أعرف أنك تحاول أن تتكلم معي ، وأنا أهتم بهذا ، ولكني أريد أن أعطيك كل انتباهي ، ولا أستطيع فعل ذلك الآن ، ولكن إن أمهلتنى عشر دقائق لأنهى هذا ، سأجلس معك وأستمع إليك " ؛ فإن معظم الأزواج والزوجات سيحترمون مثل هذا الطلب.
۳. استمع إلى المشاعر ، سل نفسك : " ما الذي يشعر به الطرف الآخر ؟ " ، وعندما تسأل نفسك ، فإنك ستصل إلى الجواب ، كن متأكداً من ذلك ؛ فعلى سبيل المثال ، عندما تقول : " يبدو لي وكأنك تشعر بالإحباط لأننى " ؛ فهذا يعطيه الفرصة لأن يوضح مشاعره ، ويعبر نسیت له أيضاً عن أنك تستمع بإنصات لما يقول.
٤. لاحظ الجسد ، فكف اليد المقبوضة ، والأيدى المرتعشة ، والدموع ، والحواجب المعقوفة ، وحركة العين ، ربما تعطيك إشارات بما يشعر به الطرف الآخر ، فأحيانا ترسل لغة الجسد رسالة مختلفة عن الرسالة التي يفيدها الكلام ، فلابد أن تطلب منه إيضاح ذلك حتى تتأكد من أنك تعرف حقاً ما يفكر أو يشعر به .
٥ . امتنع عن المقاطعة ، فقد أظهر بحث جديد أن الإنسان يستمع في المتوسط لمدة سبع عشرة ثانية فقط ، قبل أن يقاطع أو يعرض أفكاره الخاصة ، فإذا أعطيتك انتباهي بالكامل عندما تتكلم ، فإنني سأتوقف عن الدفاع عن نفسي ، وعن توجيه الاتهامات إليك أو فرض وجهة نظرى ؛ والهدف من ذلك أن أكتشف أفكارك ومشاعرك ، وليس أن أدافع عن نفسي ، أو أن أدفعك للتحدث بشكل مباشر ، ولكن غرضى من ذلك أن أفهمك.
تعلم كيفية التحدث
إن المحادثات الخاصة لا تتطلب الإنصات بتعاطف وحسب ، بل إظهار الشخصية الذاتية أيضاً ، فعندما تقول إحدى الزوجات : " أتمنى أن يتحدث زوجي ، فأنا لا أعرف إطلاقاً ما يفكر فيه أو يشعر به " ، فهي تشعر بحاجة شديدة إلى الحميمية ، وتريد أن تشعر بأنها قريبة من زوجها ، ولكن كيف تشعر بأنها قريبة من شخص لا تعرفه ؟ ولكي تشعر بأنها محبوبة ، ينبغى عليه أن يتعلم كيف يكشف لها عن نفسه ، فإذا كانت لغتها الأساسية هي تكريس الوقت ، ولهجتها هي المحادثات الخاصة ، فإن ا خزان الحب العاطفي لديها لا يمكن أن يمتلئ حتى يحدثها عن أفكاره ومشاعره .إن التعبير عن النفس ليس سهلا بالنسبة لبعض الأشخاص ؛ فقد تربى معظمنا سر في بيوت لم يشجع فيها التعبير عن الأفكار والمشاعر ، بل كان يدان من يفعل ذلك ؛ فإذا طلب الطفل لعبة فإنه يتلقى محاضرة عن الحالة المالية السيئة للأسرة ، فيعود الطفل وهو يشعر بالذنب ؛ لأنه كانت لديه مثل هذه الرغبة ، ويتعلم بسرعة ألا يعبر عن رغباته مرة أخرى ، وعندما يعبر الطفل عن غضبه ، يتعامل معه والداه بقسوة وكلمات تجعله يشعر بالذنب ، وهكذا يتعلم الطفل أن التعبير عن مشاعر الغضب أمراً ليس محموداً ، وعندما نجعل الطفل يشعر بالذنب لتعبيره عن شعوره بالإحباط لعدم قدرته على الذهاب مع والده إلى المتجر ، فإنه يتعلم أن يكبت شعوره بالإحباط في داخله ، وبمرور الوقت نصل لمرحلة البلوغ ، ويكون معظمنا قد تعلم أن يكبت مشاعره ، ولا تكون على اتصال بالجانب العاطفي منّا.
فعندما تقول زوجة لزوجها : " ما شعورك حيال ما فعله " دون " ؟ " ، ويرد الزوج قائلاً : " أعتقد أنه كان مخطئاً ، فقد كان ينبغي عليه فعل كذا ـ " ؛ فهو لا يعبر عن مشاعره وإنما يعبر عن أفكاره ، وربما يكون لديه سبب لأن يشعر بالغضب أو الألم أو الإحباط ، ولكنه يعيش في عالم الأفكار الذي لا يعترف بمشاعره ، فعندما يقرر أن يتعلم لغة المحادثة الخاصة ، فإنها ستكون بالنسبة له كتعلم لغة أجنبية ، ولابد أن تكون البداية بأن يكون على اتصال بمشاعره ، وأن يدرك أنه مخلوق عاطفي على الرغم من حقيقة أنه قد جحد هذا الجزء من كيانه .
إذا أردت أن تتعلم لغة المحادثات الخاصة ، فابدأ بملاحظة مشاعرك خارج البيت ، احتفظ بمفكرة صغيرة ، وسل نفسك ، ثلاث مرات يومياً : " ما المشاعر التي أحسست بها خلال الساعات الثلاثة الماضية ؟ ماذا كان شعوري عندما كنت في طريقي إلى العمل وكان السائق الذي يسير خلفي يجعل سيارته ملاصقة لسيارتي تماماً ؟ وماذا كان شعوري عندما توقفت في محطة البنزين ولم تغلق المضخة الآلية ، وغطى البنزين جانب السيارة بالكامل ؟ وماذا كان شعوري عندما ذهبت إلى المكتب ووجدت أن سكرتيرتي قد تم تكليفها بمشروع عمل خاص في الفترة الصباحية ؟ وماذا كان شعوري عندما أخبرني مشرفي في العمل بأن المشروع الذي أعمل فيه يجب أن ينتهي في غضون ثلاثة أيام ، بينما كنت أعتقد أنه ما زال أمامي أسبوعان آخران ؟ " . اكتب مشاعرك في المفكرة الصغيرة وبجانبها كلمة أو اثنتان ؛ لتذكرك بالحدث الذي يقابل كل شعور ، من الممكن أن تكون القائمة بهذا الشكل :
الحدث:
السائق المتهور
محطة البنزين
عدم وجود سكرتيرة
مشروع العمل الذي يجب أن ينتهي في ثلاثة أيام
الشعور:
الغضب
الاستياء الشديد
الإحباط
الغيظ والقلق
قم بهذا التمرين ثلاث مرات يومياً ، وسيحسن ذلك من إدراكك لطبيعتك العاطفية ، وباستخدام مفكرتك الصغيرة ، ناقش هذه المشاعر والأحداث باختصار مع شريك حياتك كلما سنحت لكما الفرصة ، وفي أسابيع قليلة ، ستشعر بالارتياح للتعبير عن مشاعرك له ، وفي النهاية ستشعر بالراحة حين تناقش مشاعرك تجاه شريك حياتك وأولادك وما يحدث داخل البيت ، وتذكر أن المشاعر في حد ذاتها ليست جيدة أو سيئة ، إنها ببساطة استجابات نفسية لما يحدث في الحياة.
نحن نصنع قراراتنا في النهاية اعتماداً على مشاعرنا وأفكارنا ، فعندما كان السائق المتهور يسير خلفك على الطريق السريع ، ربما كانت هذه الأفكار تدور في رأسك : أتمنى أن يبتعد عنى قليلاً ، أو أتمنى أن يتخطاني ، أو لو كنت أعلم أنهم لن يقبضوا على ، لضغطت على دواسة البنزين ، وتركته في غمامة من الدخان ، أو يجب أن أضغط على الفرامل وأجعل شركة التأمين التي تؤمن على سيارته تشترى لي سيارة جديدة ، أو ربما يمكنني أن أتنحى في جانب الطريق وأدعه يمر.
وفي نهاية الأمر ، تتخذ أحد القرارات ، أو يتأخر عنك السائق الآخر ، أو يتحول عنك أو يتخطاك وتصل إلى عملك بأمان ؛ ففي كل حدث من أحداث الحياة تكون لدينا المشاعر والأفكار والرغبات ، وفي النهاية تأتى الأفعال ، ونطلق على التعبير عن هذه العملية التعبير عن الذات ؛ فإذا اخترت أن تتعلم لهجة المحادثات الخاصة ، فهذه هي طريقة التعلم التي يجب اتباعها.
أنماط الشخصيات
لم نفقد كلنا الصلة بيننا وبين مشاعرنا ، ولكن عندما يأتي الحديث عن القدرة على الكلام فكل منا يتأثر بشخصيته ، وقد لاحظت أن هناك نمطين أساسيين للشخصيات : الأول أسميه " البحر الميت " في دولة فلسطين ، يتدفق نهر الجليل باتجاه الجنوب مروراً بنهر الأردن ويصب في البحر الميت ، أما البحر الميت فلا يتحرك إلى أي مكان ، فهو يستقبل ولكنه لا يعطى ، وهذا النمط من الشخصيات يتلقى العديد من الخبرات والمشاعر والأفكار على مدار اليوم ، ويكون لدى صاحب هذه الشخصية مستودع كبير يخزن فيه المعلومات ، ويكون في منتهى السعادة عندما لا يتحدث عنها ، فإذا قلت لأحد الأشخاص الذين ينتمون لهذا النمط من الشخصيات ( البحر الميت ) : " ما الخطب ؟ لماذا لا تتحدث هذه الليلة ؟ " ، ربما يجيبك قائلاً : " لا شيء ، ما الذي يجعلك تعتقد أن هناك شيئا ما ؟ " . وهو صادق تماماً في رده هذا ، فإنه يكون سعيداً عندما لا يتحدث ، ويستطيع أن يقود سيارته من " شيكاغو " إلى " ديترويت " ، دون يتفوه بكلمة ويكون في قمة السعادة لذلك.وعلى النقيض من هذه الشخصية تجد شخصية " الثرثار " ؛ فبالنسبة لهذه الشخصية ، فكل ما يدخل من مدخل العين أو الأذن يخرج من الفم ، ونادراً ما يستغرق ذلك ستين ثانية ، فهو يتحدث عن كل ما تراه عيناه وكل ما تسمعه أذناه ، وفي الحقيقة ، إذا لم يكن معه أحد في المنزل ليتحدث معه ، فإنه يتصل بأي شخص كي يتحدث معه ، ويقول له : " هل تعرف ماذا رأيت ؟ هل تعرف ماذا سمعت ؟ " ، وإذا لم يجد أحداً على الهاتف ، فإنه يتحدث مع نفسه ؛ لأنه ليس لديه مستودع ، وفي أحيان كثيرة يتزوج شخص من نوع البحر الميت من إحدى الشخصيات الثرثارة ويحدث ذلك لأنه أثناء فترة الخطوبة ينجذب كل منهما للآخر بشكل كبير .
إذا كنت من شخصيات البحر الميت ودعوت إحدى الشخصيات الثرثارة إلى العشاء ، فإنك ستحظى بأمسية رائعة ، فلن تكون مضطراً لأن تفكر " كيف سأبدأ الحديث معه الليلة ؟ كيف سأحافظ على تتابع المحادثة ؟ ".
في الحقيقة ، لست مضطراً لأن تفكر على الإطلاق ، فكل ما عليك فعله أن تهز رأسك ثم تقول : " آه آه " ، وسيكون هذا التعبير مناسباً للأمسية كلها ، وستعود إلى البيت وأنت تقول : " كم هو شخص رائع ! " ، وعلى الجانب الآخر ، إذا كنت من نوع الشخصيات الثرثارة ودعوت إحدى شخصيات البحر الميت إلى العشاء ، فإنك ستحظى بأمسية رائعة أيضاً ؛ لأن شخصيات البحر الميت هي أفضل شخصيات العالم إنصاتا ، فإذا أخذت تثرثر لمدة ثلاث ساعات ، فإنه سيستمع إليك بإنصات ، وستعود إلى البيت وأنت تقول : " كم هو شخص رائع " ، وسينجذب كل منكما للآخر ، ولكن بعد مرور خمس سنوات من الزواج ، فإن صاحب الشخصية الثرثارة سوف يستيقظ ذات صباح ويقول : " لقد تزوجنا منذ خمس سنوات ولا أعرفه " ، وتقول شخصية البحر الميت : " أنا أعرفها حق المعرفة ، وأتمنى أن تتوقف عن الثرثرة وتعطيني فرصة " ، والأخبار السارة أنّ شخصيات البحر الميت يمكنها أن تتعلم كيف تتحدث ، كما تستطيع الشخصية الثرثارة أن تتعلم كيف تنصت ؛ فنحن نتأثر بشخصيتنا ولكنها لا تتحكم فينا.
إن إحدى الطرق لتعلم أساليب جديدة هو تحديد وقت يومى للمشاركة ، يتحدث فيه كل منكما عن ثلاثة أشياء حدثت له في هذا اليوم وكيف كان شعوره حيالها ، وأنا أطلق على هذه العملية " الطلب اليومي البسيط " للحياة الزوجية الصحية ، وإذا بدأت في الطلب اليومي البسيط ، فخلال أسابيع قليلة أو شهر ربما تجد أن المحادثات الخاصة بينكما تتم بسهولة .
أنشطـة خاصـة
بالإضافة إلى لغة الحب الأساسية ؛ تكريس الوقت ، أو إعطاء شريك حياتك انتباهك كاملاً ، هناك لهجة أخرى تسمى الأنشطة الخاصة . في ندوة جديدة لي حول الزواج طلبت من زوجين أن يكملا الجملة التالية : " أشعر بأنني محبوب من زوجي أو زوجتى عندما ـ " ، وكان رد زوج يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاما ، ومتزوج منذ ثماني سنوات كالتالي :" أشعر بأنني محبوب من زوجتى عندما نفعل بعض الأشياء معاً ، الأشياء التي أحب أن أفعلها ، وتحب هي أيضاً أن تفعلها ؛ لأننا نتحدث أكثر ، ويشعرنا ذلك بطريقة ما أننا في فترة الخطوبة مرة أخرى ، وكان هذا هو نفس رد كل الأشخاص الذين يعتبرون لغة تكريس الوقت هي لغتهم الأساسية للحب ، فالتركيز يكون على المعية ، أن يفعلوا الأشياء معاً ، ويعطى كل منهما للآخر انتباهه كاملاً . وتتضمن الأنشطة الخاصة كل شيء تهتمان به أو يهتم به أحدكما ، وليس المهم ما تفعلانه وإنما المهم لماذا تفعلانه ؛ فالهدف أن تحاولا فعل شيء ما معا ، وأن تحصلا بسهولة على شعور " إنه يهتم بي ، ومستعد أن يشترك معي في عمل شيء أستمتع به ، ويفعل ذلك بإحساس إيجابي " ، هذا هو الحب ، وبالنسبة لبعض الأشخاص ، فإنه الحب في أقوى صوره.
تربت " تريسي " على الموسيقى السيمفونية ، فأثناء طفولتها ، كان منزلها يضج بالموسيقى الكلاسيكية ، وكان والداها يصطحباها مرة كل عام على الأقل لحضور حفلة سيمفونية ، وعلى النقيض ، تربى " لارى " على الموسيقى الفلكلورية والغربية ، وفي الواقع لم يحضر حفلة ذات مرة ، ولكن الراديو كان مضبوطاً دائماً على الإذاعة الشعبية ، وكان " لارى " يطلق على الموسيقى السيمفونية موسيقى المصاعد ، ولولا أنه تزوج " تريسي " ، لعاش حياته كلها دون أن يحضر حفلة سيمفونية واحدة ، وقبل أن يتزوجا ، وعندما كان في المرحلة الخيالية للوقوع في الحب ، حضر حفلة موسيقية ، وحتى خلال هذه الحالة العاطفية الخاصة ، كان يقول " هل تسمون هذه الأشياء موسيقى ؟ " ، وبعد الزواج ، كانت تلك تجربة لم يتوقع أن تتكرر ، ولكنه عندما اكتشف بعد سنوات عديدة أن لغة الحب الأساسية بالنسبة لزوجته هي تكريس الوقت ، وأنها تحب بشكل أساسي لهجة الأنشطة الخاصة ، وأن حضور الحفلات السيمفونية أحد هذه الأنشطة ، اختار أن يذهب معها بروح متحمسة ، وكان هدفه واضحاً ، فلم يكن هدفه حضور الحفلة ؛ ولكن لكي يعبر عن حبه لـ " تريسي " ، وأن يتحدث لغتها بصوت عال ، وبمرور الوقت ، أصبح بالفعل يقدر الموسيقى السيمفونية ، بل إنه بين الفينة والأخرى يستمتع بحركة أو حركتين ، وربما لن يصبح عاشقا للموسيقى السيمفونية أبدأ ، ولكنه أصبح بارعاً في التعبير عن حبه لـ " تريسي".
وربما تتضمن الأنشطة الخاصة أنشطة مثل : تنسيق الحديقة ، أو زيارة أسواق السلع الرخيصة أو المستعملة ، أو شراء التحف ، أو الاستماع للموسيقى ، أو الخروج للتنزه معاً ، أو المشي معاً لمسافة طويلة ، أو غسل السيارة معاً في يوم صيفي شديد الحرارة ، وهذه الأنشطة محصورة فقط بأهتمامك واستعدادك لمحاولة خوض تجارب جديدة ، والعناصر الأساسية للأنشطة الخاصة هي : ( ۱ ) على الأقل يريد أحدكما أن يقوم بها ، ( ٢ ) أن يكون الشخص الآخر مستعد للقيام بذلك ، ( ٣ ) أن تعلما كلاكما لماذا تفعلان ذلك ؛ والسبب هو التعبير عن الحب بأن تكونا معاً.
إن إحدى النتائج الجانبية للأنشطة الخاصة أنها تزودك برصيد في الذاكرة يمكنك أن تسحب منه في السنوات التالية ، فما أسعد الزوجين اللذين يتذكران نزهة في الصباح الباكر على الشاطئ ، أو الربيع الذي زرعوا فيه الأزهار في الحديقة ، أو الوقت الذي طاردا ؛ الأرنب بين اللبلاب في الغابة ، أو الليلة التي ضرا فيها أول مباراة بيسبول كبيرة معاً ، أو المرة الأولى والوحيدة التي ذهبا فيها للتزلج معاً وانكسرت رجله فيها ، أو الملاهي ، والحفلات الموسيقية ، وتعبيرات الدهشة ، والإثارة أثناء الوقوف تحت الشلال بعد المشي لمسافة ميلين ، وربما يمكنهم الإحساس بالضباب أثناء تذكرهم لهذه الأشياء ، كل هذه الأشياء ذكريات للحب ، خصوصاً بالنسبة لمن لغته الأساسية هي تكريس الوقت.
وأين نجد الوقت لمثل هذه الأنشطة ، وخصوصاً إذا كان لكل منا عمله خارج البيت ؟ يمكننا أن نجد الوقت تماماً كما نجده لتناول الغداء والعشاء . لماذا ؟ لأن ذلك مهم لحياتنا الزوجية كأهمية الغذاء بالنسبة لصحتنا ، فهل هذا صعب ؟ وهل يحتاج هذا إلى تخطيط مسبق ؟ نعم ، وهل يعني هذا أننا يجب أن نتوقف عن بعض أنشطتنا الخاصة ؟ ربما . وهل يعني هذا أننا يمكن أن نفعل أشياء لا نستمتع بها ؟ بالتأكيد ، وهل يستحق الأمر كل هذا ؟ بلا شك . وماذا سأستفيد من ذلك ؟ الإحساس بالسعادة لكونك تعيش مع شريك يشعر بأنك تحبه ، والتأكد من أنك قد تعلمت كيف تتكلم لغة الحب الخاصة به بطلاقة.
أوجه كلمة شكر خاصة لـ " بيل " ، و " بيتى جو " اللذين علماني قيمة لغة الحب الأولى ؛ كلمات التشجيع ، ولغة الحب الثانية ؛ تكريس الوقت ، والآن ننتقل إلى " شيكاغو " ولغة الحب الثالثة .
إذا كانت لغة الحب الأساسية الشريك حياتك هي تكريس الوقت :
١. قوما بنزهة سيراً على الأقدام في الحي القديم الذي نشأ فيه أحدكما ، واسأل الطرف الآخر عن طفولته ، اسأله : " ما الذكريات الممتعة في طفولتك ؟ " ، ثم اسأله : " ما أكثر شيء كان يؤلمك في طفولتك؟".
۲. اذهبا إلى موقف المدينة ، واستأجرا دراجتين ، وقوداهما حتى تشعرا بالإجهاد ، عندئذ اجلسا وشاهدا البط ، وعندما تملا من صياح البط ، انتقلا إلى حديقة الأزهار ، وليكتشف كل منكما لون الأزهار المفضل عند صاحبه ، ولماذا يفضله ( إذا كانت الدراجات مكلفة ، فتناوبا في أن يجر كل منكما الآخر في عربة حمراء صغيرة).
٣. في فصل الربيع أو الصيف ، ادع الطرف الآخر على الغداء ، وقابله في الموعد المحدد وقم بقيادة السيارة حتى تصلا إلى الحديقة ، وضعا المفرش على الأرض ، وتناولا الشطائر التي أحضرتماها معكما ، " واشكرا القدر " أنكما لا تزالان على قيد الحياة ، واشتركا في فعل شيء ترغبان في فعله قبل أن تموتا.
٤. اسأل شريكك في الحياة عن خمسة أشياء يريد أن يستمتع بفعلها معك ، وضع خطة لتفعل واحدة منها كل شهر على مدى الأشهر الخمسة التالية ، وإذا كان المال عائقاً ، استغل العروض المجانية في المناسبات التي " لا نستطيع توفير المال لها".
٥. اسأل زوجتك عن أكثر مكان تستمتع بالجلوس فيه عندما تتحدث معها ، وفي الأسبوع التالي ، اتصل بها في ظهيرة أحد الأيام وقل لها : " أريد أن أحدد معك موعداً في إحدى أمسيات هذا الأسبوع لنجلس على الأريكة الصفراء ونتحدث ، فأي ليلة وأى وقت تفضلين ؟ " ، ( لا تقل " الأريكة الصفراء " إذا كان مكانها المفضل هو الجاكوزي ! ) .
٦. فكر في أحد الأنشطة التي يستمتع بها شريك حياتك ، ولكنها لا تسعدك بشكل كبير ؛ ككرة القدم ، أو الحفلات السيمفونية ، أو حفلات موسيقى الجاز ، أو النوم على مشاهدة التلفاز ؛ وأخبر الطرف الآخر أنك تحاول أن توسع آفاقك وأنك ستنضم إليه في هذا النشاط في وقت ما هذا الشهر ، وحدد موعداً وابذل قصارى جهدك ، واطرح أسئلة حول هذا النشاط في أوقات الراحة .
٧. ضع خطة للذهاب في عطلة ؛ بمفردكما فقط ، في وقت ما خلال الأشهر الستة القادمة ، وتأكد من ألا تكون مضطراً للاتصال بالمكتب أو تشغيل التلفاز كل نصف ساعة لسماع نشرة الأخبار ، ركزا فقط على الاسترخاء معاً وقوما بعمل شيء تستمتعان به أو يستمتع به أحدكما .
٨. حددا وقتاً كل يوم لتشتركا معاً في بعض أحداث اليوم ، فعندما تقضيان وقتاً في مشاهدة الأخبار أكثر من الوقت الذي يستمع فيه كل منكما للآخر ؛ سينتهي بكما الأمر بأن تكونا مهتمين بأخبار " الحروب " أكثر من اهتمام أحدكما بالآخر .
٩. حددا إحدى الأمسيات مرة كل ثلاثة أشهر وقولا فيها : " لنسترجع ماضينا " ، خصصا ساعة للتركيز على ماضيكما ، واختارا خمسة أسئلة ليجيب عنها كل طرف منكما مثل :
( ۱ ) ما اسم أفضل مدرس وأسوأ مدرس كان لديك في المدرسة ، ولماذا ؟
( ۲ ) متى شعرت بأن والديك فخوران بك ؟
( ٣ ) ما أكبر خطأ ارتكبته والدتك ؟
( ٤ ) ما أكبر خطأ ارتكبه والدك ؟
( ٥ ) ما الذي تتذكره عن الجانب الديني في طفولتك ؟ وفي كل مساء ، اتفقا على أسئلتكما الخمسة قبل أن تبدأ ، وبعد انتهاء الأسئلة الخمسة ، توقفا وقررا الأسئلة الخمسة للمرة القادمة.
۱۰. اجلسا بجوار المدفأة ( أو بجوار لمبة برتقالية ) ، ضعا البطانية والوسادة على الأرض ، وأحضرا المشروبات الباردة والفيشار ، وتظاهرا بأن التلفاز به عطب ، وتحدثا فيما اعتدتما أن تتحدثا فيه في فترة الخطوبة حتى تشرق الشمس أو يحدث أي شيء آخر ، وإذا أحسستما أن الأرض أصبحت لا تحتمل ، اصعدا السلم ، وناما في فراشكما ، ولن تنسيا هذه الليلة أبدا.
من كتاب لغات الحب الخمسة