anyquizi logo

الأم مصنع السعادة

الأم مصنع السعادة

الأم مصنع السعادة


النساء مصانع الرجال، وصلاح الأولاد يعود في المقام الأول وقبل كل شيء لصلاح الأم وقديمًا قال شوقي: "الأم مدرسة..

ألم تدرِ أن الحبيب محمدًا قال لنا: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ..

إن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار في سعادة phllolo الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - : جعلتني أمي أحفظ القرآن الكريم وأنا ابن عشر سنين وكانت توقظني لصلاة الفجر و تسخن لي ماء الوضوء في ليالي بغداد الباردة و تلبسني ملابس ثقيلة، ثم تلبس حجابها و تذهب معي إلى المسجد لبعده عن البيت و لظلمة الطريق..

يقول الزوج: دخلت على ابني البالغ من العمر أحد عشر عامًا، والذي كان يتدرب في الشركة علي صيانة الحاسوب وهو ابن سبع سنوات والذي أصبح مهندسًا فيما بعد، وجدته ينزل برامج التشغيل من شبكة الإنترنت على الحاسوب الخاص بجارنا و كان ضابط شرطة على أخلاق و أدب ويحب ابني كثيرًا
قلت : يابنى، استسمحك بأن أرسل بريدًا للعمل فى الشركة في أمريكا ضروري من جهازكم ؛ فشبكة الإنترنت لا تعمل عندي وكنا قبيل الفجر ..ابتسم الابن في خجل وتردد وتلعثم ، وقال: ممكن حضرتك تنتظرني حتى استأذن فى صلاة الفجر من صاحب الحاسوب ، أن نستخدم كلمة مرورشبكة الإنترنت الخاصة به ...

فرحة عارمة هائلة علت وجهي و بابتسامة بحجم الكون و بصوت جهوري مسموع لأهل البيت النائمين: الله أكبر... الله أكبر... الحمد لله .. وقبل أن يستفيق من ردة الفعل هذه كانت قبلاتي ليست على وجهه فقط ، بل على جبينه و كلتا يديه ..
وقلت : بارك الله فيك يابنى .ربي يرزقك حلالًا طيبًا مباركًا فيه ..الحمد لله . أحسنت ..


تركته والدموع تملأ عيني - دموع الفرح - ها هو هذا البكر بشارتي وورع أمه لا يقبل الحرام حتى فى أمر وإن بدا للكبار أنه تافه فهو يقوم بعمل صيانة للحاسوب بدون مقابل وإرسال رسالة إلكترونية لن يكلف الرجل قروشًا معدودة .

لكن في علم التربية لابد من أن تثني على الولد وأن تفرح بأنه يُراعي الحلال والحرام، وأن تشجعه خاصة وهو يبدأ خطواته على درب حياته العملية الوعر ، وما فيه من شبهات وفتن...

هذا الموقف جعلَنى أعود ثلاث خطوات للوراء :
الخطوة الأولى عمرها ثلاث سنوات و حينما كنا نجري عملية جراحية لهذا الولد في مستشفي التأمين الصحي وهو في البنج وخرج الطبيب يبشرنا ليس بنجاح العملية فحسب بل قال لي أتدري أنني كنت لا اريد الانتهاء من العملية الآن؟ !!ابنك طوال فترة التخدير وهو يردد الأذكار والدعاء لله ...كنا نبكي جميعا أنا وطبيب التخدير والممرضات ... فهو ولد صالح بكل تأكيد ...

والخطوة الثانية قبلها بعدة سنوات حينما عقدت على أمه بعيد فترة الخطوبة بأسبوعين تلك التي علمته الحلال وأرضعته لبنًا حلالا صادقًا . فقد أخبرها أخوها - رحمه الله - وكان وقتها في الصف الثالث الثانوي ..وهو العبدُ الرباني الذي كان يتحرى الحلال والحرام بصورة لا تصدق .. وسأكتب عنه مقالة إن شاء الله- إن أباهم يعمل عملًا به شبهة حرام ، و لا يجوز لهم الأكل والملبس إلا ما يسد جوعهم، ويستر عوراتهم،.ورغم صغر سنه إلا أنه كان السبب في اتجاه كثير جدا من الشباب إلي حب الدين و كان البيت كله -نظرا لما يتمتع به من صدق- يسمع كلامه ويفعل مايريد فهو الابن الذي جاء لأمه بعد عمر طويل وبعد عدة بنات .

تتساءل عن طعامهم .. ! ماذا كان فى البيت ؟
كان الجُبن والخبز فقط فى الثلاث وجبات ، وكنت أذهب إليهم قبيل الزواج فأحمل معي من أرضنا الخضروات وتخبز أمي لهم الخبز ، فكنت أجد فى وجه زوجتي فرحة كبيرة تشعرني بالخجل لهذه الأشياء البسيطة وكنت مازلت أدرس بالجامعة وحالي فقير ، فكانت تدعو لي دعاءً عريضًا كله حب وامتنان، وما زالت طبعا تدعو إلى الآن لأبسط صنيع حتى وإن قلت لها : كيف حالك؟ ، ثم تدخل بسرعة ؛ لتبشر الأهل بهذه الزيارة الثمينة.

كيف عرفت بهذا السر ..بعد عدة زيارات لهم . قالت سامحني كان من المفروض أن أقدم لك طعامًا يليق بك ولكن الأمر كذا وكذا .قلت لها هل تعلمين أن هذا الطعام الذي في نظرك بسيط هو أشهى طعام أكلته بعد طعام أمي؟ ..ليست مجاملة، فعلا كنت أجد طعمًا جميلًا في هذا الطعام البسيط كنت سعيدًا جدا بزوجتي وأمها وأخواتها وأخيها وهم يفضلون الجوع في مثال عجيب لم أره حتى الآن! ..فقد عاشوا على هذا الوضع مدة طويلة فوق العام ؛ حتى تأذى الأب وترك هذا العمل على ما كلفه هذا من جهد وكد ووقت..

فها هو ابنها الذي حفظ القرآن في عمر عشر سنوات حفظ بطنه من الطعام الحرام في صغر سنه
نعم لقد كانت أمه هي الزوجة التي يخبر عنها العلماء التي كانت تقول لزوجها : اتق الله وانظر ولا تجعلنا نأكل حرامًا .

أما الخطوة البعيدة ..حينما طلب الخليفة ( أبو جعفر المنصور) من الإمام مالك تأليفه كتاب في كلام سيد المرسلين قائلا: وطئ للناس كتابًا وإياك وعزائم ابن عمر ، ورخص ابن عباس .

ويقول الإمام (مالك ) كأنّه علمني التأليف ، فلما حضر الخليفة درس العلم فى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم- مع الإمام مالك انبهر بالكتاب وطريقة عرضه للكتاب ، فقال الخليفة : أعرض عليك أن تأتى إلى القصر وتعلم أولادي تعليمًا إسلاميًا وتربيهم ولك ما شئت من الأجر، فقال الإمام : الأمر لا يحتاج يا أمير المؤمنين بل عليك أن تكون قدوة لأولادك ، وأن لا يخالف فعلك قولك ، وهكذا كلما كنت قدوة في البيت لا تحتاج معلمًا .

وعندما جاء أحدُ التابعين إلى شيخه يقول له : أريد أن أربي ابنى تربية سليمة ، فقال : كم عمره ؟ قال : سنة ، فقال له : لقد تأخرت كثيرا ! ، قال : ومتى أبدأ فى تربية ابنى ؟! فقال: عندما تختار أمه ..، فاظفر بذات الدين تربت يداك .

فى إحدى المرات بعد أن بلغ الطفل ثلاث سنوات جاء الوالد من العمل متعبًا إلى البيت ، فشرب من كوب الماء الكبير دفعة واحدة وهو واقف وكان الجو شديد الحرارة ، ولم يلتفت لتطبيق السنة عند الشراب . وبعد لحظة ، شرب الابن من نفس الإناء بنفس الطريقة - - فقالت له الأم : لقد علمتك أن تشرب وأنت جالس وعلي ثلاث مرات وأن تسمي الله وليس من الإناء الكبير بل من الكوب الصغير . قال لها الابن : ولكن أبى يفعل ذلك ، من هنا كان الطفل يقلد الوالدين في البيت ؛ وقد لاحظت الأم أنّ ابنها ذا السنوات الثلاث يقلد والده في طريقة الدعاء ، فكان الولد لا يبكي ، ولكنه يغمض عينيه ويحرك رأسه بخشوع وتأثر ويتباكى كما يفعل والده .

إن الأشياء التى تجلب للبيت المتعة الحقيقية سواء على المستوى الفردي أو مستوى الأسرة جميعًا ،أن تمارس شعائر الله ، وتحترم شعائر الله في بيتك ؛وهو أمر بسيط وعفوي ولا يحتاج منك تكلف لكنه ليس سهل ولا يستطيع أن يبلغ هذه المكانة إلا الرجال ..

فمثلا أنت حين تصوم يومًا تطوعًا لله ، وعندما يؤذن المغرب ويأتي وقت الإفطار ، وتذكر الله -عز وجل- وتدعو ؛ يلقي الله فى قلبك حلاوة عجيبة وجميلة وفرحة تحسها فى حلقك وفي أوصالك - حينما يراك ابنك تفعل ذلك ، ويرى علامات التأثر ، وعلامات الفرحة، ويرى دموعك تجري رغم عنك فإنه لا محالة - إن تجنبت الآفات والمشكلات الأخرى - سيكون له حال مع الصيام .

حينما تصف قدمك فى الليل ، وحينما يخلو كل حبيب بحبيبه أو بينما يعتكف الضائعون على هواتفهم تصلي قيام الليل عدة ركعات لمدة ساعة مثلا وقبيل أن يؤذن الفجر تجلس إلى مصلاك فى منتهى الاسترخاء والهدوء ؛ ولذة ومتعة العبادة وجمال اللحظة تحتضنك فعلا ؛ ترى ابنك يجلس نفس جلستك وينظر نفس نظرتك ويعيش نفس متعتك ويرتمي في نفس الحضن علي أشواق العبودية والقرب و حينما تخرج قبيل المغرب في شرفة بيتك و شمس الأصيل بلونها الذهبي تطبع قبلة السعادة علي جبينك وأنت تتلو أذكار المساء و تتسامى فوق هذه الشرفة بل فوق هذا المبنى بل فوق كل الأبراج والأفلاك و تتسبح روحك في آفاق علوية رحبة تتنفس الوجد والعشق الإلهي ...سيسابقك ابنك ويكون بجوارك و ينافسك هناك . فتسكب على روح من تعول السعادة يا رجل .

حينما ترجع من العمل وتسجمع نفسك و تغتسل وتجلس مع زوجتك وأولادك تتحدوثونإلى بعض وتستمعون إلي بعض وإلي هموم بعض وإلي اهتمامات بعض وإلي أحلام بعض وتحلون مشاكل بعض بهدوء وحب وسكينة وتكون أنت قدوة تترك هاتفك المأفون و شهوتك للكلام عبر السوشيال ميديا الصبيانية المزعجة وبوستاتك الهايفة المتتالية التي تتحفنا بها كأن الكون كله ينتظرك كنبي مرسل تحدد له الطريق ..

إن البيت الذي تقوده أم تعرف الله وتفضل مصلحة زوجها وأولادها وترضي بالقليل طالما هو في جنب الله أم ناجحة انشأت جنه كلها سعادة ستجني ثمارها في الدنيا بزوج يحترمها ويجلها وأولاد ناجحين يحبونها ويبرونها وفيالآخرة رضا ربها سبحانه وتعالى .وينسى البيت كله الصخب والضجر والملل والتشاجر والشحناء . ..

كتبه الأستاذ علي السيار
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر
تابعنا على الفيسبوك تابعنا على تلغرام

إختبارات قد تعجبك