anyquizi logo

تلك الأشياء ...(الخيانة)

تلك الأشياء ...(الخيانة)

تلك الأشياء


تذكرين حبيبتي تلك الأشياء .. يوم التقينا كنت تضحكين .. اتذكر ضحكتك حتى هذه اللحظة . .. كنا في تلك الرحلة التي نظمتها الكلية إلى " مرسى مطروح " ، وكنا قد وصلنا للتو و بدأنا في إفراغ حقائبنا في ذلك المعسكر الذي اختاروه لنا لنقيم فيه ، حين سمعت ضحكتك لأول مرة ..

كنت أحمل حقيبتي الثقيلة التي ملأتها بالكتب التي سأقضي أيام الرحلة في قراءتها ، و كنت أصعد الدرج إلى الطابق العلوي حيث سيقيم الشباب ، حين زلت قدمي فجاة لأسقط و ليتبعثر كل ما كان في الحقيبة على الدرج ، بينما أخذت أنا أتدحرج كالجوال هابطا الدرج حتى انتهى بي الأمر أسفل قدميك ..

حينها ضحكت أنت ..

اتذكر تلك الضحكة حتى الآن ..

اتذكر كيف خرجت من فمك الجميل صافية قويه تحمل من البهجة والمرح ما لم أحظ به في حياتي كلها ..

ضحكة أذابت آلام سقطتي و حرجي ، و دفعتني إلى الضحك معك قبل أن يتضرج وجهك بالخجل لتبتعدي في سرعة ..

و بقيت أنا أضحك ..

حتى و أنا الملم كرامتي و متاعي من على الدرج أخذت أضحك ..

و من بعيد سمعت ضحكتك تتسرب من فمك مرة أخرى قبل أن تذوبي في الجمع لتختفي عن ناظري كأنك حلم و انتهى ..

ليلتها صعدت إلى غرفتي و أنا أبتسم و لم تفارقني ابتسامتي حتى في نومي ..

و في صباح اليوم التالي قررت أن لهذه الرحلة غرض واحد لن أتنازل عنه ..

أن أعثر عليك ..

أن أسقط على درجات العالم كله لأسمع تلك الضحكة مجددا ..

ان أملك هذه الضحكة و ارددها معك ..

ان املأ أذني و روحي بها ..

ان اعيش و أموت و هي تملأ كل شيء حولي ..

يا الله .. ضحكتك هي التي بدأت كل شيء ..

و هي التي قادتنا إلى النهاية !

تذكرين حبيبتي تلك الأشياء .. كيف التقينا للمرة الثانية لأراك وسط الفتيات تمرحين ..

كيف تسمرت لحظتها أمامكن حتى التفت لي و ابتسمتي ..

كيف تضرج وجهك بالخجل ثانية ..

أتذكر كيف ابتعدت دون أن تنطقي بحرف واحد ..

في ذلك اليوم ذهبنا إلى شاطئ الغرام حيث انتظرتنا صخور الشاطئ الزلقة بألف وعد بأننا سندق أعناقنا اليوم عليها ، لكننا لم نهتم ..

الشمس أمدتنا بالطاقة .. الرياح المشبعة برائحة البحر أسكرتنا و البحر الأزرق الصافي نادانا فأسرعنا لنلبي النداء .. و بدأنا ننزلق ..

لم تمر دقيقة دون أن ينزلق أحدنا على الصخور ليطير في الهواء للحظة ، قبل أن يسقط على الصخور القاسية ليضحك الجميع ، لكنك لم تضحكي . فقط حين أتى دوري و طار جسدي ليهوي على الصخور ، ارتفعت ضحكتك الصافية لتملأ الكون من حولنا ، فلم أشعر بألم السقطة بل أخذت أضحك معك دون ذرة ندم أو ألم ..

حتى حين بدأت الدماء تنزف من جرح ذراعي لم أشعر سوى برغبة عارمة للضحك ، فأخذت أضحك و أضحك و أضحك ..

و مرة أخرى تضرج وجهك بالخجل ثم ابتعدت ..

ابتعدت فبردت الشمس و سكنت الرياح و ثار البحر ..

ابتعدت فشعرت بالوحدة و الكل يمرحون حولي ..

ابتعدت فماتت ضحكاتي على شفتاي و غاب عني المرح ..

أتذكرين حبيبتي ؟ .. يومها بحثت عنك طويلاً حتى عثرت عليك في النهاية قرب الصخرة الضخمة على الشاطئ ..

كنت هناك تجلسين وحدك ، فلم أشعر بنفسي إلا و أنا أتجه إليك لأجلس جوارك صامتا دون أن تجرؤ عيناي على النظر في عيناك .. لكنك حبيبتي مددت أناملك لتلمسي أناملي .. ثم ابتسمت مشجعة ، فقلتها لك دون أن أشعر : أحبك .. فضحكت ثانية .

هذه المرة لم أضحك بل احمرت أذناي خجلا ، فقلت لي : أنت لا تعرفني .. فكيف تحبني ؟ فلم أجب ..

فقط نظرت لعينيك فعرفت الإجابة دون أن أنطقها .. أنا أحبك .. ولدت لأحبك .. اعيش لأحبك .. و ساموت لأحبك .. حينها تضرج وجهك ، و قلت :لا بأس .. انا اصدقك .. ثم نظرت للبحر دون أن تفارق أناملك أناملي .. لا أعرف من بدأ منا الحديث و لا كيف انتهينا ، لكن البحر يذكر ..

الليل خيم علينا و عدنا في نهاية اليوم إلى المعسكر و قد تشابكت أصابعنا والهمسات تدوي من حولنا .. لكنك حبيبتي لم تلق لها بالًا.. لقد اصبحت لي و اصبحت لك .. تلك الأشياء لم تكن لتفرق بيننا .. و لم تفعل .. ضحكتك التي فعلت !

تذكرين حبيبتي كيف مرت علينا السنوات .. انتهت أيام الدراسة و بدأت ايام العناء .. أصبحت رجلاً وأصبحت امرأتي ..

سنوات مرت ثم انتهى الأمر بخاتمي يحيط بإصبعك وبضحكتك تملأ بيتي .. كنت لي و أصبحت زوجتي .. كنت أذهب إلى عملي لأعد الساعات كي أعود لك ، لأجدك في انتظاري .. لي .. لي وحدي .. و كنت لك..

سنوات مرت علينا رأينا فيها الفرح و الحزن و الأمل و الشقاء و الراحة و العناء ، لكن تلك الأشياء لم تأخذ من ضحكتك شيئا .. وكانت ضحكتك تمنحني كل ما احتجت له و اكثر ..

كانت ضحكتك ما أخذت مني كل شيء ..


تذكرين يا حبيبتي كيف حدث ما حدث .. كيف بدأت تتغيرين .. شاردة أصبحت .. حائرة كنت .. حزينة دوما .. شيء ما تغير لم أعرفه لكني شعرت به .. لم تعد ضحكتك تذيب همومي .. لم تعد بسمتك تملأ يومي .. لم تعودي لي وحدي .. شيء ما تغير لم أعرفه لكني كنت واثق من وجوده .. ثم حين عثرت على الخطابات عرفت ما هو .. عرفت من هو ؟

تذكرين حبيبتي كيف كانت صدمتي ... تذكرين انني اردت ألا أصدق لكنك لم تمنحيني الخيار .. الخطاب كان واضحا و صريحا ككابوس لا نهاية له .. وأخفيت عني كل شيء .. كان هناك هو .. هو هذا الآخر الذي منحتيه نفسك..

هو الذي ظهر في حياتك فلم تعودي لي وحدي ... هو الذي ارسل لك يقول ( ضحكتك تمنحني الأمل )!!

لهذا إذن لم أعد أراك تضحكين .. كنت تدخرين ضحكاتك له .. له وحده ..

تذكرين يا حبيبتي ثورتي .. صدمتي .. هلعي و غضبي .. تلك الأشياء التي لم أكن اظن أنها ستتسلل إلى حياتنا ، لتصبح هي حياتنا .. تلك الأشياء التي أصبحت واقعا يجثم على روحي بلا هوادة .. تذكرين أنني واجهتك .. تذكرين انني طلبت منك الحقيقة فأجبتني بضحكتك ، لكنها لم تكن تلك الضحكة التي انتظرتها أذني طويلا .. كانت ضحكة أخرى .. ساخرة .. قاسية .. عنيدة .. ثم أخبرتني أنك تريدين النهاية .. نهايتنا .. أنت لم تعودي لي ، هكذا قلتي و هكذا أصبح الأمر بيننا ..

أنت اصبحت له .. له وحده .


ضحكتك أعلنت أنها النهاية و أعلنت الخيانة ..

ضحكتك التي جمعتنا هي التي أنهت كل ما كان بيننا ..


تذكرين حبيبتي أنني لم أتمالك نفسي بعدها .. لم أعد أنا من يفعل بل ثورتي .. لم أعد من يفكر ، بل غضبي ..

تذكرين أصابعي و هي تنقض على عنقك لتخرس ضحكتك .. تخرسك .. تقتلك .. تذكرين أصابعي التي حفرت الموت في عنقك و تذكرين هلعي بعدها ..

تذكرين كيف أخذت أنادي عليك فلم تجيبيني ..

تذكرين كيف بكيت على جثتك فلم تمسحي دموعي باناملك .. تذكرين أنني قتلتك !

تلك الأشياء .. أشياء لم يكن لي أن أعرفها إلا بموتك و قد عرفت .. أشياء لو عرفتها لما حدث ما حدث .. تلك هي الأشياء التي لا نعرفها إلا بعد فوات الأوان .. كنت تموتين .. و كان ( هو ) من يعالجك ..

ضحكتك منحته الأمل في علاجك ، لذا اخفيت الأمر عني حتى ينتهي الأمر أو تنتهي في صمت .. كنت تموتين و أنا الذي منحتك النهاية قبل أوانها ..

ضحكتك فعلتها و انا نفذت .. لماذا لم تخبريني حبيبتي ؟ .. لماذا تركتيني أضع نهايتنا ؟ لماذا انتهى كل ما كان ؟

اليوم سياخذونني لينفذوا في حكم الإعدام .. و كان طلبي الأخير قبل أن القاك أن أكتب لك ..

أن أطلب منك غفرانا لا استحقه .. اليوم سأعود لك فهل ستقبلينني ؟ تلك الأشياء لن أعرف إجابتها الآن .. ربما بعد ساعات .. ربما بعد أن أغادر هذه الدنيا متدليا من حبل المشنقة .. تلك الأشياء لم تعد تهم الآن .. فبعد قليل ساعود لك .. بعد ساعات سأصبح لك .. و ستصبحين لي ..

د.تامر ابراهيم
من كتاب ٧ وجوه للحب

عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر
تابعنا على الفيسبوك تابعنا على تلغرام

إختبارات قد تعجبك