الثقة بالنفس
أول ما نبدأ به في هذه الحياة هي الثقة بالنفس ، حتى لو رأيت الجميع لا يثقون بك ثق بنفسك ، وإن رأيت أنه لا قيمة لذاتك عند الناس ثق بنفسك ، ألا تظن أن المتسول على سوء سمعته قد وثق بنفسه أكثر منك ، نعم حتى المتسول يستطيع التمثيل أمام الناس وكأنه مريض أو محتاج ، ويثق بنفسه ليجني بعض المال وسواء كان بحاجة أم لا إنما المهم أنه علق آماله على ثقته ، ونجح الكثير منهم في ذلك ثم إنك إذا لم تثق بنفسك لن تستطيع أن تعيش حياة السعداء . . ويبدأ طريق التغيير من النفس أولا وهذا ارتباط عظیم ذكره الله في القرآن الكريم وهو خالق النفس ويعلم ماهيتها وما تحتاج إليه فقال : ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ [الرعد:١١].
فلا يتغير أحد إلا إذا غيّر ما في نفسه ، واسأل نفسك أيها القارئ العزيز : إذا لم أثق بنفسي من الذي سيثق فيها ؟؟
قصة طفولتك
سأقص عليك قصة طفولتك ، لعلك تستعيد الثقة بنفسك عند ولادتك وبعد أن استنشقت هواء الحياة وكان الفطام ، كلما مر عليك أحدهم رفعت يديك إليه ، ألا تظن أنك تريد السمو والرفعه ، لقد أردت أن تنهض وتمشي وتقف على قدميك ، حتى يتسنى لك رؤية الحياة ، ثم صرت تستكشف يمينا وشمالا كل ما تراه من حولك ، وترفع نظرك إلى السماء ، لقد كنت تثق بنفسك وتتمنى أن تقوم بأعمالك الحرة ، والسؤال الذي سيخطر في بالك الآن : من تسبب في عدم ثقتك ، من نزع منك الثقة بنفسك ؟ إنهم البشر ، لقد نزعوها منك غير متعمدين بل إن تثبيط البشر لا يكاد ينتهي ، إن قمت قالوا لك أتظل واقفا ؟ وإن جلست قالوا لك أتظل جالسا ، وحتى إن مشيت سيقولون لك أتظل ماشيا ؟ لقد كنت من محبي المشي ، فمنذ الصباح الباكر كنت أجمع شمل نفسي وأخرج من مكان إلى آخر وكان بعضهم يسخر مني لأني أمشي كثيرا وعندها قلت سأجلس في بيتي ولن أخرج إلا لصلاة أو حاجة فلما التقيت ببعضهم بعد فترة قالوا لي ولماذا تحبس نفسك ولا تخرج ، أدركت حينها أن الناس يسببون لنا الاحباط كما نسببه لغيرنا نحن أيضا ، ولن نرضي أحدا من العالمين مهما صنعنا ، ولهذا ثق بنفسك ولا تهتم بآرائهم.كيف نجحوا وارتفعوا
راودني هذا السؤال كثيرا لدرجة أني وددت أن أعرف سرهم ، وقد عرفت بعض هذه الأسرار ، عندما شاهدت بعض مقاطع اليوتيوب للمقلدين وأعني بهم الذين يرون شخصية مشهورة ويحاولون أن يقلدوها فوجدت الفرق بينهم وبين الشخصية المقلدة هي العفوية وتقمص الدور ، وأعني أن المحاضر عندما يلقي محاضرة عن النجاح فإنه يظهر كل أحاسيسه ومشاعره ولا يكترث للكاميرا التي تراقبه وكأنه يتحدث إلى نفسه ، بينما المقلد إذا أراد أن ينصب كاميرا أمامه ظل باله مشغولا بالتصوير وبعدسة الكاميرا فتظهر علامات الحيرة والخوف والارتباك في وجهه إضافة إلى الشرود فعندما يتكلم يبدأ حديثه بـ ااا ا أ أ أ ،،، إلى آخر ذلك من النشاز الذي يكرهه كل مستمع ، وعندما كنت خطيبا في أحد مساجد المدينة كنت أنظر إلى الناس وإلى أعينهم أحاكيها حتى لا يشعروا بملل قد شعرت به من قبل عندما كنت مستمعا كحالهم ، وما أريد إيصاله لك أيها القارئ الكريم أنك لابد أن تثق بنفسك أولا ثم تظهر العفوية في أفعالك ولا تتصنع أو تتكلف ، ابتسم بعفوية وتكلم بعفوية وبلهجتك التي اعتدت عليها لا أحد يجبرك أن تتكلم بلغة أو بلهجة أخرى ، افعل ما تتقنه وما تحسنه في القول والفعل وثق بنفسك و ستتفاجئ إن قلت لك أن ضحكتك ستتغير إذا وثقت بنفسك وحتى طريقة التنفس لديك ستشعر أنها أكثر راحة ، نعم لأن الكثير منا لم يجرب الثقة بنفسه لم يتذوق هذا الطعم من الراحة.الوضوح
لماذا لا نكون واضحين مع أطفالنا في مراحلهم الأولى ، لماذا لا نخبرهم بالحقائق التي مرت بنا ، ولماذا لا نجيب على تساؤلاتهم التي تجول في خواطرهم وإن كانت حرجة ؟ لقد قال لي أحد زملائي أنه أردف طفلا من أقاربه بجانبه في السيارة وكان الطفل يكثر من الأسئلة لدرجة أن زميلي كره ذلك وأصابه الملل ، لكن سرعان ما لفت ذلك انتباه زميلي ، بالفعل لقد كانت أسئلة الطفل كثيرة ومثيرة ، ولكنها جعلت من هذا الطفل أعجوبة فهو يعرف كل ما يدور حوله ويتعرف على كل شيء جديد ، إن هذا الطفل لو ضاع في مكان سيخرج سالما آمنا ، وإن غاب عن بيته لن يكون الأمر مخوفا مفاجئا ، فاتركوا الأطفال يتعلمون وإذا أصابهم بعض المکروہ فهو بمثابة درس يتعلمه الطفل في صغره ، دعوهم وراقبوهم عن بعد وعلموهم القيادة والإدارة منذ الصغر ، فلقد رعى أكثر الأنبياء الغنم في صغرهم وشبابهم وذاقوا آلام الوحدة في الصحارى والبوادي حتى صاروا قادة يبلغون الرسالات السماوية ، اتركوا الأطفال يتعلمون وأجيبوا على كل سؤال مطروح ولا تتحايلوا عليهم عند الجواب ، فإنهم لا محالة في يوم سيعلمون هل صدقتموهم أم لا . .شعور بالفوز دائما
قلت لأحدهم إنك في كل أمر تتكلم فيه كأنك ستحظى به وتفوز ، ألا تخاف أن تفشل أو تخسر ؟ قال لي إن الفائز يتوقع الفوز ، نعم كان كلاما عظيما بالنسبة لي لأن الفائز لا يفكر بالخسارة بل يفكر في درجة الفوز فهل سيكون الأول أم الثاني ، وسأحكي لكم قصة ربما حصلت مع الكثير منكم ، في أيام الدراسة كنت إذا جلست مع المتفوقين كان جل حديثهم عن نقص درجة واحدة في مادة كذا وأنه سيعوضها في الامتحان الأخير ، وكان بعضهم يقول لقد تراجعت في الرياضيات ، لا أدري أين ذهبت نصف درجة ، ثم تحولت بعد ذلك إلى ثلة من الكسالى وجالستهم فكان بعضهم يقول : أنا فقط لو أنجح بمادة العربي لا أريد شيئا آخر ، وقال الآخر الحمدلله لقد كانت درجتي على الحد تماما لو أنها نقصت نصف درجة لرسبت في الامتحان ، فالفائز له حديثه والفاشل له حديثه ، ولهذا قلت لكم إن كلام زميلي عن الفوز كلام صحيح فالفائز هو الذي لا يتوقع إلا الفوز .كلام الناس
لا يجب أن ننتبه لما يقوله الآخرون ، خاصة إذا كان الكلام افتراءا وكذبا علينا ، فإن قال لي أحدهم أنت غبي ، لن أرد عليه لأني أعلم أني لست غبيا ، وإن قال لي أنت كاذب ، راجعت نفسي فإن لم أجد أني كاذب لن أرد عليه ، لأني بالفعل أثق بنفسي وأعلم أني لست كاذبا ، وقد دخل أحد السلف إلى مسجد فعثر برجل أحدهم وقد كان نائما فقال له النائم وقد استيقظ غاضبا : أأنت حمار ؟ فأجابه : بالنفي ، فأراد بعضهم أن يبطش به فقال لهم : اتركوه إنما سألني أأنت حمار فأجبته بالنفي ، وانتهت المشكلة ، لماذا نهتم بأشياء لا تهمنا ولا تعنينا ونغضب لوصف لا ينطبق علينا وكذلك كان نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في هذا فقد ورد في البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون . مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد » . نعم لقد كانوا إذا أرادوا أن يسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : ذهب مذمم وجاء مذمم ولم يذكروا اسمه الحقيقي ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يهتم لأنهم في الحقيقة لم يسبوه باسمه الحقيقي ، فلا تهتم لما يقوله الآخرون عنك .أخطر ضرر
إن أخطر ضرر يصيب الانسان هو سوء ظنه بنفسه ، هل سبق وقلت لنفسك : أه لا أستطيع ، لا أقدر حتى لو فعلت هذا سأخطئ ، سأفشل ، إن هذه الكلمات السلبية هي أخطر من محاربة جيش ، حاول أن تأتي بورقة وقلم واكتب كل شي قلت عنه سابقا لا أستطيعه ، واكتب بجانبه أنك ستفعله ، ثق بنفسك ، قال لي أحدهم : في إحدى السنوات كنت أكره الفيزياء بشدة ولكن لابد من الامتحان فدرجاتي كانت متدنية في الفيزياء ، ولم أكن أحبها البتة لكني عزمت على أن أدرس لأنجح فيها فجلست يوما أدرس فصول الكتاب وركزت على كل كلمة تمر بي وحللت كل مسألة ثم ذهبت إلى أسئلة في دورات سابقة للطلبة من عام ١٩٩٢ إلى عام ٢٠٠٠ وما فرغت من هذا إلا في منتصف الليل ، فأغلقت عيني ثم ذهبت إلى الامتحان باكرا ، ومع عدم ثقتي بنفسي أجبت على الأسئلة بسرعه لأخرج وفي آخر سؤال كانت هناك أعداد ضخمة لابد من ضربها وجمعها فقلت في نفسي وهل تظن أن إجابتك صحيحة حتى تضع الجواب وتتعب في كتابته ؟ قال لي : فتركت الاجابة النهائية في الناتج وخرجت وبعد يومين اتصل الأستاذ بي وقال : أني حصلت على أعلى درجة في الفصل وتنقصني نصف درجة لأنال الدرجة كاملة ، لكن العجيب أيها القارئ الكريم أن نصف الدرجة كانت في ذلك الناتج الذي ترکه صاحبنا وتكاسل عن كتابته ، فهل أدركتم معنى الثقة بالنفس وفقدها ؟الثقة والانجاز
إن ما قرأته سابقا من صفحات لن يجعلك تثق بنفسك ثقة مطلقة ، ولهذا أحببت أن أوصلك إلى طريق الثقة ، وإن أقصر الطرق للثقة بنفسك أن تنجز إنجازا تفخر به ، حاول أن تسعى في أي انجاز تستطيعه ، ابذل ما بوسعك حتى لو فقدت كل من حولك ، لأنك إذا صنعت انجازا سيجتمع إليك كل من هجرك ، وسيعود إليك كل من تركك ، وستحظى بحياة لا مثيل لها من الثقة والسرور . . . هذه هي الخطوة الأولى في صنع الثقة ، إنه الانجاز ، ماذا تستطيع أن تفعل ؟ اسأل نفسك ، أقصى ما يمكنك فعله ، لا تتردد في فعله .من كتاب ألوان العيون وصفاتها .. ويتبعه (الغيرة ، طبيعة الرجل ، الحساسية العاطفية ، الثقة بالنفس )