anyquizi logo

طريق الحق

طريق الحق

طريق الحق


شيء ما في عيونهم ينير حياتنا ..
صحيح أن الزمن يغير كلّ شيء..
فهو يغير تضاريس الصخور و الجبال فكيف لا يغير طباع البشر..
لا تيأس مهما فعلت من أخطاء عندما تقرر أن تتوب توبة نصوحا صادقة ستكتشف أنك لم تتأخر وأن كرم الله وعظمته وحبه سيقلب حالك ويجعلك أسعد إنسان..
وفي رواية مسلم ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ )
أي يمحو الذنوب والخطايا والكفر ...
هناك مواقف عايشناها طوال حياتنا الدعوية وجدنا فيها العجب والعجاب ..

في عام 97 كانت شركتنا تورد أجهزة سوني لوسائط التخزين و شاشات التراينترون و كاميرات الديجتال لفرع مؤسسة دار الهندسة العالمية بالقاهرة .

إنتقلت وقتها من عملي كنائب مدير الشركة الي قسم المبيعات الذى أحبه وكان لزاما علي أن أحصل علي عملاء جدد وهذا ما حدث مع هذه الشركة العملاقة رغم أنهم لا يحبذون التعامل مع الموردين الجدد ويفضلون الموردين القدامى الذين ثبتت مصداقيتهم .
لكن دخولي على مدير قسم المعلومات وتقديمي لشركتي اقنعه ..

كان المهندس أحمد أحد المهندسين المميزين في مجال تكنولوجيا المعلومات في مصر - رحمه الله - كان خبير مهذب يعشق عمله يفهم مايريد و بدرجة إنسان كامل أدرك أني جديد في المجال فكان يشرح لى كل جديد و خاصة الأشياء التي تبيعها شركتنا وقد يمتد الحديث معه لأعمال ومواضيع أخرى فاصبح الجلوس معه متعة..

كان يرسل المهندس المساعد الي قسم المشتريات في المبنى المجاور لإعتماد عروض أسعارنا و فواتيرنا و بعد عدة مرات طلب مني ان نتعرف على مديرة قسم المشتريات ..

كانت إنسانة شابة قاسية مغرورة نوعا ما ولم يعجبها شكلي لأني ملتحي ولا أنظر كثيرا في وجهها غاضًا البصر ما أمكن..

(تعجبت لما ذهبنا نحن إلي مكتبها رغم أنه أكبر منها سنا واداريا !؟ )..

كانت متبرجة جدا كما قال مديري لاحقا عندما أحضرته معي لمتابعة عملائي قال :
(إنها لكي تلبس البنطلون الجينز الضيق جدا قفزت من فوق الدولاب حتى تدخل فيه ..)

كانت شركتنا ككل أصحاب التوكيلات تعطي العملاء هدايا كل بداية عام ميلادي كنتائج الحائط للسنة الميلادية و أقلام ولوحات شرفية و أجندات تحمل اسم شركات سوني و اتش بي و كومباك وغيرها .. فكنت أقدمها لها وهى توزعها على الأقسام ومن تريد ..

لكنني كنت مع هذه الهدايا أحضر نتائج الحائط و مواقيت الصلاة للعام الهجري . و كتيبات عن أهمية الصلاة والصيام والقرآن و فضل الأذكار و عن الأخلاق والإيمانيات .. منتهزا المواسم الإسلامية كشهر رمضان والعام الهجري الجديد و وقفة عرفة وغزوة بدر والمواقف الوطنية أيضا و ذلك كان من مالي الخاص فقد كنت وقتها عائدا من السعودية ومعي القليل من المال ..وهذا من فقه الدعوة إلى الله ..أن توظف الجانب الدعوي على مسار حياتك العملية ..

أهديتها كتاب مميز ( بعنوان جبل الذنوب و سيل الغفران ) للاسف لم أعثرعلى نسخة منه ثانية ..
كان يدخل عندها مديرها و هو لبناني من عائلة الشاعر ملاك الشركة و كان من أول لحظة يرحب بي ويتعامل معي بأريحة كبيرة ربما ساعد ذلك أن تثق هي فينا ..

أوصاني مديري أن أذهب إليهم مرة كل اسبوع لأنهم يعرفون ما يريدون ويدفعون نقدا في الحال ..عكس الشركات الأخرى

بعد عام من التعامل تغيرت هذه السيدة الفاضلة تماما وبدأت تلبس محتشما فضفاضا ساترا و تحافظ علي الصلاة و تغير سلوكها المتعالي العدواني معي..

سبحان الله مقلب القلوب هذا التغير ربما ليس بسببي ..فأحاديثنا معا كانت عن الشغل فقط وفي حدود بسيطة كاستفسار عن السعر أو مدة التوريد أو عروض الأسعار أو البحث عن منتج غير موجود في السوق وكنت أساعدهم في ذلك لأن أحد أصدقائي كان يمتلك شركة شحن في أمريكا فكان يحضر لنا المنتجات الدقيقة وقطع الغيار والاكسسوارات الغير موجودة في مصر فكان يعطيها ميزة وأفضلية في وظيفتها ..

ربما كانت دعواتنا أنا ومديري عامل مساعد ...!!

تغيرت حياتها تماما للأفضل و كانت مسار حديث جميع من حولها فهي بنت عميد كبير في الجيش و تعيش حياة ارستقراطية متعالية.. فأصبحت تعطف علي العمال وتجلس معهم وتسمع مشاكلهم وتساعد في حلها .. أصبحت تحافظ علي الصلاة في وقتها هى و زميلاتها في مكتبها وممنوع الدخول قبيل الصلاة لمكتبها .. اصبحت تحضر دروس العلم في المسجد ..

لكن الحدث الأكبر والمدوي كالقنبلة :
أن مديرها أسلم وكانت سببا مباشرا و حاسما في إنقاذ فرد من النار ومن عظيم أخلاقها عرض عليها الزواج ..فقبلت.. وبدلا من الذهاب لقضاء شهر العسل في أوروبا التي كان يزرعها ذهابا وإيابا كل أسبوع علي الأقل (والتى لن يسافر لها ثانية) كان الذهاب لأجمل مكان في الأرض... إلي مكة المكرمة.. عاشا في فندق فخم بجوار الحرم المكي..

كل فجر يتعرضان لرؤية هذا المنظر القدسي المشرف وبعد شهر في مكة ذهبا لمدينة الرسول الكريم شهرا آخر..تشبثا بالمكان وصاحب المكان ....
تركا الدنيا بأسرها : أعمالهما وأهلهما ووجدا مبتغاهما هنا عند رسول الله عليه الصلاة والسلام
إنّه ظمأ السنين حينما يأتيه الماء العذب المتدفق؛ ليرتوي..

إنّه حال الغائب الحبيب حينما يعود إلي حضن أمه وأبيه ليحيا من جديد ..

إنه ضوء الفجر الباسم حينما يبدد ظلمة الليل الجاثم فيسكن القلب والروح ...

..استمتعا بالجنة في الأرض قبل مباشرة جنة السماء..

فقد مات العريس في المدينة المنورة في شهر العسل ..

بعد أن شبع وخط خاتمة السعادة علي جبين التائبين ..

بعد أن تزوج حورية الدنيا العفيفة التائبة النقية التي باعت هي كل شيء من أجل دينها حتى إنها لم تعد إلى الشركة من بعده ..

لم أرها أو أسمع عنها منذ ذلك الحين لكن سيرتها العطرة وسلوكها النقي لا ينسى ..
نعم حينما ذاقت حلاوة الإيمان غيرت كل من حولها ...

لكن هناك نفوس عرفناها منذ عشرات السنين . نفوس أصيلة جميلة لم يغير فيها الزمان شيء ..مهما افتقرت أو اغتنت مهما مرضت أو شفيت مهما فرحت أم حزنت هي هي بنفس الجمال بل يزداد جمالُها ..

وهناك نفوس عملت معنا من عشرات السنين تحمد صنيعنا البسيط ، وما زالت عطايانا البسيطة القليلة التافهة ننثرها على رؤسِهم الشماء الأبية العزيزة فيقابلونها بدعواتهم التي تغمرنا بالستر والنعيم والمزيد ..

قلوبهم تغمرنا بالحب والإمتنان والعطف والرحمة ومازال الله يكرمنا بهم هم أجمل مافي الحياة وأعظم ما في الكون، ولهم نكتب ومن أجلهم نعيش..

هؤلاء وهؤلاء لم يتغيروا بل يزدادوا ثباتا و جمالا و توهجا وصدقا ...

وهناك نفوس عرفتنا للمصلحة وأدعت حبنا وخدمتنا للمصلحة ونحن أغدقنا عليهم رغم معرفة نواياهم لعلهم يشبعون ويكفون عن الحقد والحسد والملام والضجر ,متمنين أن يلتزموا ويهديهم الله . ووقفنا معهم في آزماتهم وقضينا لهم مصالحهم وآثرناهم علينا و علمناهم في شركاتنا ووظفناهم وساعدناهم في بيوتهم ومعيشتهم لكنهم لم يشبعوا وحينما اخترنا البعد عنهم لعدم التوافق مع طباعهم سلقونا بألسنة حداد وقلوب غلاظ و ضمائر غائبة شاردة وافتروا علينا بأعظم فرية وقلبوا كل منقبة لمسلبة وكل خير لشر ولما سألهم الناس كنتم تمدحونهم قالوا كنا جهال لم نكن نعرفهم ..

وهناك نفوس كرهتنا لأول وهلة و ناصبتنا العداء دون سبب واضح ربما لم نعجبهم أو لأنهم يكرهون أصحاب الدعوات أو لأنهم مأجورون لذلك ...

فهؤلاء وهؤلاء بعدنا عنهم و عبرناهم حيث وجهتنا و نصلي كل يوم وندعو " اللهم كن لنا جارا من شرور خلقك أجمعين عز جارك وتباركت أسماؤك..

وهناك أفراد كانوا بجوارنا لم نتعامل معهم و تمنينا لهم الهداية وتغيير حالهم من الشر للخير ومن البعد عن الله للقرب ومن ارتكاب المعاصي دون خجل او حياء إلي اتباع السنة والطريق دون خوف أو وجل . فهداهم الله و كانت دعواتنا لهم تسطر أقدارهم فنسي الناس شرورهم وانحرافهم وأصبحت ألسنة الناس التي كانت تقدحهم وتسبهم تحمدهم وتشكرهم و التي كانت تغتابهم وتفضحهم...أصبحت تمجدهم وتسترهم وتدعو لهم تفعل ذلك وهي تقول : سبحان الله ! هل رأيتم ابن فلان الذي كان يعق ولديه ويظلم إخوته أصبح بارا بولديه وإخوته ..سبحان الله ! هل رأيتم فلان الذي كان في شبابه لا يصلي و يسرق و يضرب ويبلطج أصبح يرتاد المسجد ويساعد المحتاجين و يعلم الأولاد ..وهكذا قس في كل نظير ..

وسبحان الله! الذي يمحو السيئات بالحسنات فينسي الناس ماضيك القبيح عند أول أقدامك إلى الطهر والصواب..

كن علي يقين أنك لابد أن تتغير للأصوب ..سواء من نفسك وبعد تفكير وتدبر منك ..أو أمتدت لك يد بيضاء كأيدي أصحاب الدعوات والقدوات... أو أمتدت لك يد ما ، كيد طفلتك كما فعلت في المنام ابنة بشر الحافي بعد موتها ...أو امتدت لك يد القدر بمشكلة أو مصيبة لتذكرك بحقيقتك أنّك راحل وأنّك ستقابل الله وتترك الدنيا وما فيها ..

كتبه علي السيار

عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر
تابعنا على الفيسبوك تابعنا على تلغرام

إختبارات قد تعجبك